الصراع على «السنّة»

ثمة استسهال في الحديث عن “السنّة”، ومبالغات وتعميمات، وصلت حد قيام البعض بتبرير ظهور “داعش” باعتبارها ردة فعل على شعور الجماعات السنيّة بالمظلومية. وعدا عن اعتبار هذا التنظيم ظاهرة طبيعية، نشأت ضمن سياق تاريخي ومجتمعي وسياسي معين، وهذا غير صحيح باعتقادي، فإن هذا الحديث ينطوي أيضاً على إشكاليات عديدة، فضلاً عن أنه يخضع لتوظيفات سياسية مختلفة.

من حيث الإشكاليات، يبدو مجافياً للواقع الحديث عن “السنّة” كطائفة، لسبب بسيط مفاده أن المنتمين الى هذه الطائفة لايعرّفون أنفسهم على هذا النحو، فهم تاريخياً لم يختصروا هويتهم بالطائفة أو بالدين، كونهم لم يتعرضوا لاختبارات تفرض ذلك، وبالنظر الى شعورهم كغالبية وأنهم بمثابة الشعب ليس بالمعنى الحصري وإنما بالمعنى الرمزي. فوق ذلك فإن “السنّة” لايتأطرون كطائفة، أسوة بالطوائف الأخرى، سواء كانت إطارات دينية، أو سياسية. مثلاَ، لايوجد تراتبية، ولا مرجعية، دينية، عند “السنة” مثل التي عند “الشيعة”، أو عند الطوائف المسيحية؛ فلا الأزهر استطاع ذلك، ولا أية مؤسسة أخرى.
في السياسة ثمة مركزان، ان صح التعبير، حاولا تزعم “السنّة”، وهما الحركة “الوهابية”، لاسيما بعد أن باتت عقيدة لدولة، وحركة “الإخوان المسلمين”. لكن هاتين الحركتين أخفقتا في ذلك، بدليل التحولات الحاصلة أخيراً، في مصر وتونس. أما منظمة “القاعدة”، فهي لم تنجح في التحول حركة شعبية، لكونها كحركة دينية متزمتة وعنيفة، لاتتلاءم مع تقاليد التدين السنّي الوسطي والمعتدل. أما بالنسبة لـ “داعش”، فربما يكفي القول أن أكثر ضحاياها كانوا من “السنة”، وأنها لم تجد لها حاضنة شعبية في سوريا، وأن أول من واجهها، ودخل في صراع دام معها، هم جماعات “الجيش الحر” والقوى الإسلامية الأخرى. طبعاً، يمكن قول أشياء أخرى عن واقع التعددية والتنوع عند جمهور “السنة”، الذي تشكلت منه القاعدة الأوسع لمعظم التيارات القومية واليسارية في العالم العربي.
اما لجهة توظيف الحديث عن “السنة” فهو ينبع من جهتين، الأولى، من بعض التيارات الإسلامية التي تظن انها بذلك تستثمر في مناخات “الربيع العربي” لتعزيز مكانتها، من طريق الادعاء بمظلومية “السنًة”، ومحاولة تمثيلهم، رغم أن ذلك يتعارض مع الطابع الوطني والسياسي للحراكات الشعبية، ويظهرها كمجرد تحركات طائفية، ودينية، وهو أمر غير صحيح ومضر.
والثانية، تتأتى من إيران والقوى المحسوبة عليها، والتي تجهد لتغطية طابعها الطائفي، وطمس الطابع السياسي لما يجري في سوريا والعراق، وتصويره على انه مجرد تحرك لقوى طائفية ولجماعات إسلامية سنية متطرفة. وبالطبع فإن ظهور “داعش” ساهم في تعزيز هذه الرواية، رغم انه نشأ بعد عامين من اندلاع الثورة السورية.

السابق
دور الدولة العلمانية في التأسيس للإسلام السياسي المتطرف
التالي
لهذه الاسباب سيرحل ميسي عن برشلونة