يعشعش الطيون على مرجوحة العيد في الجنوب

العيد بالنسبة الى الجنوبيين لا يغدو اكثر من زيارة للمقابر، والاعراس موالد عزاء، والحزن طريق الى الاخرة، والندب والنواح صار فنّا نبدعه كل يوم، تحولت البيادر الى حسينيات، وملاعب الأطفال الى جوامع، وزينة الساحات صارت اعلام حزبية ترفرف فوق رؤوسنا فتطرد كل العصافير.

منذ عقود طويلة، ارتبط اسم الجنوب بالمآسي والاهات، فصبت عليه الاعتداءات الصهيونية فوق السياسات الحكومية التي جرّت هي الأخرى ولانزال كل أنواع الفقر “والتعتير”، واذا كان صحيحا بان حكوماتنا لم تتقصد الجنوب فقط، بل هي “عدلت” بسياسات الإهمال على كل الأطراف وصولا الى عكار والهرمل، فكان الابتعاد دائريا عن نعيم سنتر العاصمة بيروت، مما يعني بالضرورة الاقتراب اكثر فاكثر من حزام الحرمان.

صحيح اننا هذه الأيام نكاد نُحسد من باقي المناطق اللبنانية على ما نحن عليه من استقرار وراحة بال امني، لم يشهده الجنوب منذ انضمامه الى لبنان الكبير، الا ان هذا لا يعني ابدا اننا على احسن حال.

ويكفي ان تقوم بجولة سريعة في مدن وقرى الجنوب، حتى تتلمس في وجوه الناس وعيونها اثقالا من الهم والبؤس، وحذرا مستفيضا من الآتي، وارباكا عميقا من الغد.

صحيح اننا بعيدون عن ساحات الحروب الدائرة من حولنا، الا ان أصوات المدافع تصم اذاننا، وهدير الطائرات الصديقة والعدوة تملأ غرفنا، وتخترق نوافذنا المغلقة، وازيز الرصاص لا يزال هو الأقوى وان لم نسمعه، الا اننا نراه يوميا على جسد “شهيد” قضى وهو يقوم بواجبه الجهادي، او عندما نعود جريحا كنا نسهر معه بالأمس، والان هو طريح الفراش. كأنه مكتوب علينا نحن اهل الجنوب ان لا نبتسم، كأننا ادمنا رائحة دخان المدافع، ونيران القذائف، حتى اذا ما بعُدت عنا هرولنا اليها، واذا ما هجرتنا هي، سعينا بارجلنا نحوها.
صدّقنا بان القتل لنا عادة، وان الموت والحزن من سماتنا وتقاليدنا، صرنا لا نعشق الا اللون الأسود، ونعتقد ان الفرح والحياة خطيئة تُغضب الرب، فبتنا نتجنب كل اشكال البهجة والسرور والغبطة لانها من رجس الشيطان حتى في أيام العيد!

فالعيد بالنسبة الينا لا يغدو اكثر من زيارة للمقابر، والاعراس موالد عزاء، والحزن طريق الى الاخرة، والندب والنواح صار فنّا نبدعه كل يوم،
تحولت البيادر الى حسينيات، وملاعب الأطفال الى جوامع، وزينة الساحات صارت اعلام حزبية ترفرف فوق رؤوسنا فتطرد كل العصافير.

قد تشهد ازقة الجنوب في عطلة العيد غدا زحمة سيارات وعجقة ناس، لان “البيارتة” سيقصودون قراهم، خاصة ان قطاف الزيتون لا يحتاج الى قرار سياسي ولا هو مخالف لتوجهات الثنائية الشيعية وليس يعتبر من بهارج الدنيا المحرمة، فلا تغدو هذه العجقة المرتقبة اكثر من عجقة بلا روح
فنحن بالجنوب لم ننعم بعد بالتحرير… وسئمنا سماع شعارات الصمود وعدم الركوع، لم نزل تحت الاحتلال وان كان من نوع اخر، طالما ان مرجوحة العيد مهجورة من أطفالنا ومحتلة هي الأخرى من اجباب الطيون.

السابق
أشغال وتدابير سير على طريق الدورة باتجاه المرفأ
التالي
طريق ضهر البيدر مقطوعة كلياً