هل تدخل الولايات المتحدة في مواجهة مباشرة ضد قطر؟

نشرت مجلة "الفورين البوليسي" مؤخرا تقريرا مطولا عن قطر ودورا في تمويل الإرهاب، وعن علاقة الولايات المتحدة الأميركية ورد فعلها بسبب المسألة. وننشر هنا ترجمة لأبرز ما جاء في التقرير.

قامت قطر، الإمارة الصغيرة الغنية بالنفط، بضخ عشرات ملايين الدولارات من خلال شبكات تمويل غامضة لثوار سوريين متشددين وسلفيين متطرفين، بانية سياسة خارجية تسدد ضربات أكبر من قدرتها. بعد أعوام من الإذعان، وحتى الإستفادة من تدخل حليفتها،  قد تقوم واشنطن برد الضربات.

خلال العام الماضي، أنّبت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والبحرين،  قطر بشكل علني لدعمها الإسلاميين السياسيين في المنطقة. وقد هددت هذه البلاد بإغلاق الحدود البرية أو تعليق عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي إن لم تتراجع عن أفعالها. بعد حوالي العام من الضغوطات، ظهرت أولى بوادر التنازل القطري في 13 أيلول، عندما غادرت سبع شخصيات من الإخوان المسلمين المصريين الدوحة بناء على طلب من الحكومة القطرية.

تعمل كل من قطر ومنتقديها لضمان أن تقف واشنطن إلى  جانبهم في النزاع الخليجي الداخلي. الإتجاه السياسي المستقبلي للمنطقة – وأدوارهم في توجيه ذلك على المحك. وفي نهاية الأسبوع الماضي، في 25 أيلول، وثقت مطبوعة “ذا إنترسيبت” لناشرها غرين غرينوالدز كيف أجرت مؤسسة ضغط تابعة للإمارات اتصالات مع صحفيين قاموا بنشر مقالات تفصّل كيف يعمل جامعو التبرعات لمجموعات مثل النصرة وحماس بحرية في الدوحة، عاصمة قطر.

“الفورين بوليسي” أيضاً قامت بمراجعة وثائق وردتها من مجموعة كامستول، التي يديرها المسؤول السابق في وزارة الخزينة الأمريكية ماثيو ابشتاين. على الرغم من أن بعض هذه المعلومات المفتوحة المصدر تمت الإشارة إليها في هذا المقال، إلا أن الغالبية العظمى من التقارير جاءت نتيجة أشهر من التحقيقات في المنطقة.

بعد شهور من الضغط، بدأت قطر أيضاً باتخاذ وضعية الهجوم. “نحن لا نمول إرهابيين” قال الأمير تميم بن حمد آل ثاني لكريستيان أمانبور من السي إن إن خلال المقابلة الأولى التي أجريت معه كحاكم لقطر في 25 أيلول. قبل أكثر من أسبوع على ذلك، وضعت قطر قانوناً جديداً لتنظيم الجمعيات الخيرية ومنعها من التدخل في السياسة. وفي 15 أيلول، بدأت الدوحة عقداً مدته ستة أشهر مع مؤسسة الضغط بورتلاند بي آر في واشنطن، والذي قد يتضمن الحشد لمؤتمرات وإطلاع الصحفيين.

حتّى الآن، لا تبدو واشنطن مستعدّة لمواجهة قطر بشكل مباشر. عدا عن تسمية وزارة الخزانة الأمريكية الأسبوع الماضي لمواطن قطري ثانٍ لدعمه تنظيم القاعدة في سوريا وأماكن أخرى، لم يشر أي من كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية علناً إلى الدوحة أو ينتقدها بسبب عملائها المثيرين للمتاعب.

وقالت وزارة الخارجية إن أحداً لن يكون متاحاً للتعليق على هذا المقال، ولكنها سبق وأصدرت بيان حقائق في 26 اغسطس يصف قطر بأنها “شريك مهم للولايات المتحدة” وأن لها الفضل في “لعب دور مؤثر في المنطقة خلال فترة من التحول الكبير”.

والسؤال هو عمّا الولايات المتحدة مستعدة للقيام به إزاء قطر إذا فشلت الأخيرة في وقف دعم مواطنيها للجماعات المتطرفة، كما يقول جان لوي بروغيير، الرئيس السابق لبرنامج تتبّع تمويل الإرهاب المشترك بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتّحدة، والمستقرّ حالياً في باريس. وقال بروغيير لـ”الفورين بوليسي” عبر الهاتف إن “الولايات المتحدة لديها الأدوات اللازمة لمراقبة التحويلات الحكومية وشبه الحكومية للجماعات المتطرفة، ولكن الاستخبارات أمر وكيفية التعامل معها أمر مختلف تماماً”.  وأضاف: “أي نوع من القرار السياسي الولايات المتحدة قادرة فعلاً على اتّخاذه ضد الدول الّتي تموّل الإرهاب؟”.

 أصدقاء قطر

تحت السقوف العالية والثريات المتدلّية في ردهات الفنادق الخمس النجوم في الدوحة، تحرص الوفود من جميع أنحاء العالم أن تعرض قضاياها للحصول على الدعم. تهرول الحكومات والأحزاب السياسية والشركات والجماعات المتمردة دخولاً وخاروجاً بعصبية، ثم ينتظرون موعد تناول الشاي الساخن لتنظر السلطات القطرية المختصّة في مقترحاتهم.

ويشير الفندق الّذي يبقى فيه الزوّار إلى آفاق حصولهم على الدعم. فندقا الـ”فور سيزونز” وفندق “ريتز كارلتون” مثلاً من بين الفنادق المفضلة منذ زمن. وقد بقي زعيم حماس خالد مشعل في الأوّل أثناء تواجده في قطر، والمعارضة السورية في الأخير. أمّا فندق “w” فهو الفندق الفاخر الجديد، والّذي غالباً ما يستضيف الوفود الأوروبية الّتي تسعى للاستثمار أو الغاز الطبيعي. ولقد أصبح فندق الشيراتون – أحد أقدم فنادق الدوحة- من الماضي الآن، وهذا هو المكان حيث بقي كبار المتمردين في دارفور خلال المفاوضات مع الحكومة السودانية. الجميع يريد أن يكون داخل الشبكة، إذ كما قال أحد السوريين المقيمين في الدوحة، “قطر لديها المال وقطر يمكنها ايصالكالمال”.

لقد أصبحت الدوحة بالفعل مركزا للتطرف منذ أوائل سنة 2000، حيث برزت مراكز البحوث والجامعات الّتي تموّلها الحكومة القطرية مليئة بالمفكّرين والباحثين الإسلاميين. وقد موّلت الحكومة القطرية قناة “الجزيرة” المتنامية في المنطقة، لتوفّر اهتماماً اعلامياً إيجابياً بشخصيات من الإخوان المسلمين من كل أنحاء الشرق الأوسط، كما كان العديد من كبار المستشارين للعائلة الحاكمة شخصيات من الغتربين المرتبطين بالإخوان، مثل رجل الدين المصري المثير للجدل يوسف القرضاوي، الذي يرأس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين من الدوحة.

ما رأته الدوحة في جماعة الإخوان المسلمين  كان مزيجا من التدين والكفاءة التي بدت متوازية معها. وعلاوة على ذلك، سعت العائلة الحاكمة القطرية لتمييز نفسها عن الملكيات المتنافسة  وهي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وكلاهما يعتبران الإسلام السياسي خطراً كبيراً على السلطة. ويقول صلاح الدين الزين، رئيس مركز الجزيرة للدراسات، وهو مركز أبحاث مرتبطة مع الشبكة الفضائية التي تملكها قطر، “كان الأمر براغماتياً.

جاء الإسلاميون [إلى المنطقة] في الثمانينيات، وكانت قطر تحاول أن تتحالف مع القوى التي رأت أنّها على الأرجح ستكون القوى المهيمنة في المستقبل.  لكن جماعة الإخوان المسلمين العالمية ليست فقط في قطر – أو حتى الأكثر أهمية – شبكتها. ولا العائلة المالكة تشارك الإخوان كلياً  في مثلهم العليا. وهناك مكوّن ثانٍ غالباً ما يُغفل عنه ولكنّه أقرب لإثارة تعاطف المسؤولين القطريين: الحركة السلفية.

نشأت الحركة السلفية في التسعينيات ودمج السلفيون الايديولوجية الخالصة من المؤسسة الدينية في المملكة العربية السعودية مع الأهداف المسيسة لجماعة الإخوان المسلمين. بعض هؤلاء المفكرين أصبحوا المجسدين الأول لتنظيم القاعدة، بينما اتّجه آخرون إلى الكويت المحرّرة حيث حازوا على موطئ قدم قوي وتمّ تشكيل أول حزب سياسي سلفي ناشط.

وكانت قطر المكان الّذي وجد فيه الناشطون السلفيون المموّلين والمتبرعين.على مدى السنوات الخمسة عشر الماضية على وجه الخصوص، أصبحت الدوحة مركز تشغيل فعلي لمجتمع مترابط وعميق من السلفيين الذين لا يعيشون فقط في قطر ولكن أيضا في المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين وأماكن أخرى. وقد تمت استضافة رجال الدين من قبل الوزارات ودعوتهم للحديث في مناسبات هامة. وقد تبنّت الجمعيات الخيرية القضية – مثل جمعية الشيخ عيد بن محمد آل ثاني الخيرية، التي أنشأتها وزارة القطرية العمل والشؤون الاجتماعية، وهي على الأرجح “أكبر هيئة إغاثة يتحكم بها ناشطون سلفيون والأكثر تأثيراً في العالم”، بحسب تقرير  صدر مؤخراً عن مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي.

في وقت مبكر من عام 2003، بدأ الكونغرس الأمريكي يدرك أن مؤسسات خيرية مقرّها في قطر تساعد على نقل وتبييض الأموال لصالح القاعدة وتوفّر فرص العمل والوثائق لشخصيات رئيسية في عمليات من هذا النوع. وفي الوقت نفسه، كان تأثير قطر العالمي يتزايد: بدأت الخطوط الجوية القطرية المدعومة من الدولة فورة شراء طائرات في عام 2007 لتغذية توسعها الهائل، وربط الإمارة الّتي كانت يوماً ما بعيدة نسبياً  بكل ركن من أركان العالم. وبحلول عام 2010، أصبحت الجزيرة من بين وسائل الإعلام الأكثر تأثيرا في العالم العربي، بدعم من ميزانية سنوية ضخمة تصل إلى 650 مليون دولار.

السابق
لبنان ولعق الجرح ساخناً
التالي
الدوري الـ55 بكرة القدم: النجمة خطف التعادل من التضامن