الحراك الشبابي الفلسطيني… والهجرة

الهجرة الفلسطينية

تؤكد الشبكة التي تمثل حراكات شبابية في مخيمات شمال لبنان (البارد والبداوي) وبيروت (شاتيلا وبرج البراجنة) وصيدا (عين الحلوة) وصور (الرشيدية وبرج الشمالي والبص)، انتماءها لـ”التيار الفلسطيني العام” رغم إصرارها على التنبه لخصوصية وضع اللاجئين في لبنان.
وهي تتشكل من الأندية الثقافية في المخيمات والجامعات التي تلعب دوراً ثقافياً أكبر من دورها السياسي والاجتماعي، وهي ممثلة في “هيئة تنسيق عمل الأندية الثقافية الفلسطينية المستقلة”، ولها صفحة مشتركة على موقع “فايسبوك”، تتشارك الأفكار والنشاطات والدعوات ومزيد من التعرف على بعضها البعض. والمشاركون هم: النادي الثقافي الفلسطيني العربي، النادي الثقافي الفلسطيني في الجامعة الأميركية؛ النادي الثقافي الفلسطيني في الجامعة اللبنانية الأميركية، النادي الثقافي الفلسطيني في جامعة بيروت العربية، النادي الثقافي الفلسطيني – شاتيلا.
لا عودة … لنحسن واقعنا
يجمع الكثير من الشباب الفلسطيني غير المرتبط بالفصائل على استحالة العودة، ما يجعلهم يركزون على تحسين الأوضاع المعيشية داخل المخيمات.
وإذا كانت سلسلة الخسائر والهزائم التي منيت بها الفصائل ميدانياً امام اسرائيل والمليشيات المسلحة في لبنان قد مثلت، إلى جانب فشل عملية السلام، عنصراً من عناصر الإحباط بشأن العودة إلى فلسطين، فإن استخدام شعار “حق العودة” على نحو ما استخدُم من قبل فصائل فلسطينية وأحزاب لبنانية خلال ما سمّي مسيرة “العودة” انطلاقاً من جنوب في لبنان في 15 أيار/مايو 2011 ومن الجولان في سوريا في 5/حزيران يونيو، شكّل (هذا الأسلوب) إحباطاً جديداً للشبيبة الفلسطينية. فبعد مسيرة العودة من جنوب لبنان، أبلغني أحد الشباب المنتمين إلى أحد الفصائل أنه اكتشف والشباب المستقلين الذين كانوا يحضرون اجتماعات لتنسيق المسيرة، أن الفصائل الفلسطينية والأحزاب اللبنانية المشاركة، عملت على استغلال المناسبة للتأثير على مجريات الأمور في سوريا، وأن الشباب بسبب ذلك رفضوا لاحقاً المشاركة بمسيرة في 5/ حزيران / يونيو، خصوصاً أن الضحايا الذين سقطوا والجرحى في مسيرة “العودة” أخذت الفصائل تتسابق على تبنيهم، ما أوجد حالة من “القرف” دفعت هذا الشاب المتحمس لفصيله، لاحقاً، إلى الاستقالة، ثم الهجرة. أما مسيرة 5 حزيران/ يونيو في الجولان فكانت كارثة حقيقية حيث سقط عدد من الشهداء بينهم فتاة، وخلال تشييعها في مخيم اليرموك طرد المشيعون مسؤولي الفصائل واشتبكوا مع عناصر من تنظيم “القيادة العامة” وتسبب ذلك بسقوط جرحى؛ وهو حادث سوف يؤسس لاحقاً، بعد أن تعسكرت الانتفاضة في سوريا، إلى اشتباكات دموية بين المخيم وعناصر تنظيم “القيادة العامة”.
في دلالة على تأثر الشباب الفلسطيني بمجموعة تلك التطورات وخصوصاً حادثتي جنوب لبنان والجولان في 2011، تقول سعادة (اسم مستعار بطلب من المتحدثة)، إن تجربتها القصيرة مع النشطاء الشبابيين الفلسطينيين في لبنان وضعتها أمام حقيقة صعوبة العمل من أجل فلسطين عندما يكون الشباب فاقدين للحوافز “فكل واحد ممن التقيتهم يقول: “حلمي هو العودة إلى فلسطين”، لكن ما من أحد منهم يؤمن بأنه يمكن له أن يقوم بشيء ملموس لتحقيق هذا الحلم. وهذا يخلق الكثير من الإحباط. لكنهم جميعاً يقولون إن بإمكانهم القيام بشيء ملموس لتحسين ظروف الحياة للاجئين الفلسطينيين في لبنان”.
وتضيف: في مخيم الرشيدية في منطقة صور، يعمل أعضاء مجموعة “أولاد المخيم” على مشاريع لتحسين أوضاع المخيم وأهله”. وفيما تعدد بعض المبادرات التي تقوم بها المجموعة ومن ضمنها إنشاء مقهى “حنظلة” لجمع الشباب، تشير إلى تنسيق بين هذه المجموعة ومجموعات شبابية في مخيمات في صور وبيروت أيضاً، مثل مجموعة “معاً”، وتقول إن مبادرات الشباب تلك تحتاج إلى تمويل، والتمويل إما غير متاح، أو أن بعض الشباب يرفضون التمويل كي يتفادوا الوقوع تحت تأثير البرامج المسقطة من قبل الممولين، أو خوفاً من اتهامهم بالعمالة إذا ما تلقوا تمويلاً من USAID مثلاً، او بالتآمر إذا تلقوا الدعم المادي من القيادي المفصول من حركة “فتح” محمد دحلان.
ويقول، الناشط في “الشبكة الشبابية” أحمد، إن الصعوبات في المخيم وعدم قدرة الفصائل على استيعاب الشباب المستقل وغير المنتمي سياسياً، دفع هؤلاء إلى تشكيل مجموعات شبابية خارج أطر الفصائل. ويعكس أحمد النظرة السوداوية للشباب في المخيمات ويقول إن الشباب في المخيمات يرون مستقبلاً مظلماً خصوصاً بسبب اقتناعهم باستحالة العودة إلى فلسطين. وفيما يحمل الفصائل مسؤولية تردي الوضع المعيشي للفلسطينيين في لبنان عامة والمخيمات خاصة، بسبب عدم كفاءة مسؤولي وكوادر الفصائل، يرى أن ما يمكن أن تنجزه الحراكات مقتصر على تحسين هذا الواقع.

حق الهجرة؟؟
يكتب الصحافي اللبناني وفيق هواري في موقع “جنوبية” الإلكتروني تحت عنوان “الشباب الفلسطيني: من حق العودة إلى حق الهجرة”، فيقول: “في العام 2003 حضر أحد الطلاب الفرنسيين لإعداد أطروحة حول ما يريده الفلسطينيون. ساعدته في لقاء 30 شخصاً، أجرى مقابلات معهم. وفي نهاية الاسبوع أبدى ملاحظة حول اتفاق الجميع على مطلب واحد هو حق العودة. والإصرار على تنفيذ هذا الحق بالوسائل الممكنة كافة. وفي العام 2014، حصلت اعتصامات عمّت معظم المخيمات الفلسطينية، وكان هناك اتفاق بين الشباب على تنظيمها صباح يوم الأحد من كل اسبوع. يرفعون مطلباً واحداً هو تسهيل خروجهم من لبنان نحو المجهول، الذي يصفونه أنه مهما بلغ من السوء سيكون أفضل من الوضع في لبنان”.
بدأت الدعوى إلى “حق الهجرة” عبر تعليق (post) لشاب فلسطيني على “فايسبوك” ليتناقله عدد كبير من الشبان والشابات، وتظهر بعده مجموعة تطلق على نفسها “حملة حق الهجرة” وتنظم تظاهرات واعتصامات داخل المخيمات.
عندما وجهت سؤالاً إلى علي (…) وهو أحد المشاركين في الحملة عمّا إذا كان المشاركون في الحملة مهتمون بعد مطالبتهم بالهجرة بالعودة إلى فلسطين، فبادرني إلى القول إن هذا لا يلغي ذاك، فيمكن له ولزميلاته وزملائه أن يطالبوا بحق العودة، أو أن يعودوا وهم يحملون جنسيات أخرى، فيما في لبنان باتت الحياة مستحيلة مع كل القيود الاقتصادية والاجتماعية والقانونية المفروضة، وبعدما تخلت كل الفصائل عملياً عن حق العودة، وتركت اللاجئين إلى مصيرهم، وفشلت حتى في تأمين الحد الأدنى من الحقوق لهم في لبنان.
أما رد فعل الفصائل، فكانت حتى نشوء “حملة حق الهجرة” تكتفي باتهام الحراكات الشبابية المستقلة بالارتهان للمنظمات غير الحكومية المرتهنة اساساً للممولين الغربيين (المنظمات غير الحكومية ترد الاتهام بأن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير مرتهنتان أيضاً لممولين عرب وأجانب وخصوصاً للتمويل الأميركي، وأن الفصائل “الممانعة” يأتي تمويلها من إيران، فيختلف الممول ويبقى المعيار واحداً، وهو قدرة الممول على فرض شروطه الخاصة السياسية. أما المنظمات غير الحكومية فإن شروط تمويلها متصلة بوفائها بمنظومة حقوق الانسان والجندرة). وبعد “حملة حق الهجرة” اصبح الاتهام هو العمالة، الأمر الذي جعل الشاب المشار إليه في الحملة يتخذ موقفاً أكثر سلبية من الفصائل. كما ان الفصائل توافقت على إنشاء حركة شبابية مرتبطة بها تحت اسم “شبابنا” لكنها غير فاعلة وجل ما تقوم به هو إصدار بيانات وتوزيعها بالبريد الإلكتروني.
ويدافع أحمد، من “الشبكة الشبابية” عن المجموعات الشبابية المطالبة بـ “حق الهجرة”، بقوله إن هؤلاء هم “ضحايا الفصائل مجتمعة”.
بالخلاصة فإن من الغبن ربط الحراك الشبابي الذي انطلق عملياً بعد ان جفت منابع التمويل الدولي للمنظمات غير الحكومية في مخيمات لبنان، بالمسألة المالية، بل يمكن ربطه بـ 4 عوامل، هي:
1- التأثر بما يجري من أحداث في المنطقة العربية وانطلاق مطالبات بحق الشباب في المشاركة في القرارات السياسية العامة؛

2- تقوقع الفصائل على نفسها، وانعكاس أزمة الحركة الوطنية الفلسطينية والانقسامات التي فاقمتها الفصائل كلها وبلا استثناء قبلاً ولاحقاً انعكاس ذلك على الداخل الفلسطيني من دون التفات إلى خصوصية الخارج ومصالح الناس ومعيشتهم وكراماتهم…الخ؛

3- اتساع افق تفكير الشباب الفلسطيني بعد ان تعرف على ثقافة المشاركة والديمقراطية وحقوق الانسان والقانون الدولي وحقوق المرأة والمساواة…الخ، عبر برامج وتدريبات المنظمات غير الحكومية، في وقت بقيت ثقافة الفصائل محدودة جداً ؛

4- التضييق الاقتصادي والاجتماعي وحتى التعليمي من قبل السلطات اللبنانية على اللاجئين الفلسطينيين، ومحاولتها قطع الطريق على المساعدات المالية الآتية من المنظمات غير الحكومية، وعدم قدرة الفصائل على التعويض مالياً، وعدم اقدامها اصلاً على إنشاء مشاريع تشغيل الشباب… كل ذلك قاد الشباب الى التمرد وإطلاق مبادرات بعضها سلبي مثل مبادرة حق الهجرة.

لكن من الملاحظ أن الحراكات الشبابية على اختلاف افكارها واهدافها شاركت بفاعلية في حملات التضامن مع غزة خلال العدوان الأخير. وعمليا لا تمتلك مبادرات الشباب سوى القدرة على التضامن والتطلع لمستقبل افضل.

السابق
معايدة على الطريقة الطائفية اللبنانية
التالي
تركيا و«التحالف» و«داعش»: كيف ستكون النهايات؟