تردد أوباما والتسوية في سورية

شنّ الرئيس الأميركي، باراك أوباما حرباً في الشرق الأوسط، وشكّل تحالفاً كبيراً، وعاد عن استراتيجيته السابقة في المنطقة هذه. لكنه يرفض احتساب دور المسؤول الأبرز عن إفشال عقيدة سياسته الخارجية، وعن جرّ الجيش الأميركي إلى العراق وسورية. والمسؤول هذا هو: نظام بشار الأسد.

وسيطرة «الدولة الإسلامية» على مناطق واسعة في العراق وتحدّرها من «القاعدة» شغلا العالم عن السبب الأول وراء تعاظم قوّتها وبروزها: الحرب العنيفة الأسدية على المعارضة السورية.

وأعلن السفير الأميركي السابق لدى سورية، روبرت فورد، أكثر من مرة أن انهيار سيطرة الحكومة على شمال سورية وشرقها ورفض أوباما تسليح المعارضة المعتدلة، شرّعا الأبواب أمام فلول «القاعدة» الذين أسّسوا «الدولة الإسلامية». ومدّ لهم نظام الأسد يد العون، والتزم هدنة مضمرة مع المتطرفين في وقت كان يلقي البراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية على المدنيين في حلب ودمشق الكبرى.

واليوم يقرّ أوباما، ولو إقراراً ملتبساً، بأن توجيه ضربة قاضية إلى سرطان «الدولة الإسلامية» هو رهن عملية انتقال سياسية غير إقصائية في سورية. ويبدو أنه لا يملك استراتيجية لبلوغ المأرب هذا، وقال مخطّطو الحرب في إدارته أمام الكونغرس أنهم لم يعدّوا لتوسيع الضربات في سورية توسيعاً يطاول قوات الأسد، ولو هاجمت فرق المعارضين التي يعوّل عليها أوباما في محاربة «الدولة الإسلامية». ووراء تردّد الرئيس الأميركي أسباب معقولة. فالتعامل مع الأسد عسير، وثبت أنه لا يتأثر بالضغوط الديبلوماسية، والهجمات العسكرية تقتضي تصعيد الحملة الجوية تصعيداً يعتدّ به. والتحرّك ضد الأسد يترتّب عليه نزاع أو خلاف مع إيران وروسيا – وهما، إلى اليوم، لم تعرقلا الحرب على «الدولة الإسلامية» – ومع الحكومة العراقية التي لم تتراجع عن دعم نظام دمشق.

لكن تجاهل الأسد يؤدّي الى الأسوأ. فالنظام والناطقون باسمه يحتفون بالغارات الأميركية ويسعون إلى تصوير الولايات المتحدة على أنها حليف الأمر الواقع، في وقت يتظاهر السوريون في مناطق المعارضة ضد الضربات الأميركية التي تقوّض مقاومة الأسد. والنظام السوري يصعّد هجماته على المعارضة غير المتطرّفة. وإخفاق أميركا في تذليل هذه المشكلات يطيح علاقاتها بالحلفاء في سورية والدول السنّية التي انضمت إلى الحملة على «الدولة الإسلامية». ولكن ليس أوباما خاوي الوفاض من خيارات واقتراحات. ففريديرك هوف، المستشار السابق لوزارة الداخلية الأميركية، اقترح خياراً بسيطاً: إبلاغ البنتاغون الحكومة السورية أمام الملأ أن أنظمتها الدفاعية الجوية التي ترصد الطائرات الأميركية ستدمّر، شأن غيرها من مقاتلات النظام التي ستترك قواعدها. والخطوة الثانية سعت إليها الحكومة التركية منذ وقت طويل: إنشاء منطقة حظر جوّي فوق مناطق سيطرة المعارضة. والخطوة هذه يسيرة وفي المتناول، فالطائرات الأميركية تنشط هناك.

وفي نهاية المطاف، تقتضي التسوية السياسية في سورية، التي يسعى إليها أوباما النزول على فكرة الوزير جون كيري الأولى، أي قلب موازين القوى العسكرية قلباً يحمل جنرالات الأسد والعلويين على الاختيار بين المساومة والدمار. واقترح هنري باركي من جامعة لوهيغ أن يعرض الرئيس الأميركي على نظام دمشق استبعاد الأسد وإبرام هدنة بين النظام والمعارضة المعتدلة، وإذذاك يسع سورية الانضمام إلى دول التحالف ضد «الدولة الإسلامية». لكن أوباما يميل إلى إرجاء حلّ مشكلة رأس النظام السوري إلى ما لا نهاية. والإرجاء هذا في غير محله، كما كان تنصّله من مواجهة الديكتاتور قبل أعوام. وإذا كانت «الدولة الإسلامية» سرطاناً، فالرئيس السوري هو مصدر الورم والداء. وإذا لم يعالج، تفشّى السم وسرى في علاج أوباما.

 

 

 

 

 

 

 

 

السابق
حكم بالحبس 6 سنوات لطارق الربعة
التالي
انخفاض سعر النفط في روسيا… قاتل