انخفاض سعر النفط في روسيا… قاتل

انخفض سعر برميل النفط عالمياً 15 في المئة في الأشهر الثلاثة الماضية. ويرجح أن تنخفض بدورها أسعار الغاز، فيواجه الاقتصاد الروسي أزمة هي أقرب إلى ردّ على سياستها في أوكرانيا. ويعتمد الاقتصاد الروسي على قطاع النفط والغاز، وهو يشكل أكثر من ثلث الناتج الإجمالي ونصف إيرادات الموازنة الاتحادية. وارتفعت نسبة صادرات النفط والغاز من مجمل الصادرات الروسية من 33 في المئة في 1994 إلى 61 في المئة، في النصف الأول من 2014.

وفي الثمانينات أدّى هبوط سعر النفط 3 أضعاف إلى انهيار الاتحاد السوفياتي. وأحد تفسيرات ذلك هو مؤامرة بين أميركا ودولة خليجية بارزة. وفي التسعينات، أفضى انخفاض الأسعار طوال نصف عام إلى أزمة آب (أغسطس) 1998. ومن حسن الحظ أن الأسعار عادت لترتفع تدريجاً وإلا اهتزت أركان نظامنا السياسي. عملياً. وقبل عام 2000، كانت العوامل التي تحدد سعر النفط هي الدورات الاقتصادية وحجم الاحتياط وحركة الطلب والإنتاج والتكنولوجيا وسياسة «أوبك» والصراعات العسكرية. وأضيف إلى هذه العوامل بعد عام 2000، التغيّرات الاقتصادية والمالية. ويرتبط سعر النفط ارتباطاً وثيقاً بسعر الدولار الأميركي. فإذا انخفض الدولار إلى 1,1-1,15 مقابل اليورو، انخفض سعر النفط إلى 80 دولاراً للبرميل أو أدنى. وعليه، عيشنا الرغيد اليوم مرتبط بتغيرات ضبابية في الأسواق المالية العالمية.

أمّا أسباب هبوط أسعار النفط فكثيرة. والتفسير الأبرز هو انخفاض الطلب على الوقود في أوروبا واليابان والصين. وصارت أميركا أقل اعتماداً على استيراد الطاقة. ولكن اختلال التوازن الدولي في حركة عرض والطلب متواضع ولا يمكن أن يسبب مثل هبوط الأسعار هذا. ويدعو إلى العجب عدم ارتفاع أسعار النفط على رغم أن الأزمات مستعرة في عدد من مناطق استخراجه. وروسيا – أحد أكبر منتجي النفط تكاد تتحول إلى دولة منبوذة، والأسعار ثابتة لا ترتفع. إذن هل يمكن أن يكون الدولار هو السبب؟

وعندما ينخفض سعر الدولار أمام العملات العالمية، يرتفع سعر النفط. وفي 2000-2008، حين انخفض سعر الدولار، ارتفعت الأسعار العالمية للنفط والغاز والمعادن. ولكن حين ارتفع، أخيراً، سعر الدولار مقابل اليورو 6 في المئة، تدنت أسعار النفط.

والحال أنّ الأسواق المالية أفدح من السلاح النووي، إذ بإمكانها المساهمة في صعود دولة ما أو انهيارها. ويسيطر المضاربون على شطر كبير من سوق مشتقات النفط، في وقت تهيمن الأدوات المالية على العالم. فتتأثر الأسواق بإشاعات أو معلومات كاذبة.

ويلف الغموض المستقبل. ولكن انهيار أسعار مواد الخام لن يتوقف بعد سنتين أو 3 سنوات. وعليه، ستتقلص حصة روسيا في أسواق الطاقة. وترمي سياسة أميركا والاتحاد الأوروبي إلى استبعاد روسيا من الساحة الدوليّة.

ويقتضي جبه مثل هذه التحديات استباق الأحداث المستقبلية، أي مرحلة انخفاض عائدات الغاز والنفط والفحم والمعادن. ويجب على السياسة الاقتصادية الروسية أن تتغير جذرياً لتفادي الوقوع في الفخ النفطي. لكن يبدو أن حظوظ الردّ الصحيح والمرن غير كبيرة. فعوامل تحرير الاقتصاد، و«انفجار» النشاط الاقتصادي الداخلي وثيقة الصلة بنمو الطلب والعرض المحليين. وتتصدر الأولويات مصالح الطبقة الوسطى ودعمها. ويجب إقرار تحفيزات تساهم في تحقيق «معجزة اقتصادية» في روسيا.

 

السابق
تردد أوباما والتسوية في سورية
التالي
8 ت1 موعداً للاستماع الى افادة فيصل القاسم