اعترض الجيش والمعلمون.. وضغطت المصارف.. وناور السياسيون

كتبت “السفير” تقول : لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الحادي والثلاثين بعد المئة على التوالي.
وأخيرا… تحرر مجلس النواب الذي كان “مخطوفا”، وفُتحت أبوابه للتشريع من جديد، بعد إغلاقها طويلا، لكن سلسلة الرتب والرواتب لم تستفد من “شهر التسوق” التشريعي، وعادت الى “مقبرة” اللجان، بفعل تجاذبات “ليلة المخاض” الطويلة التي انتهت الى إجهاض جنين “السلسلة” مرة أخرى، ومعها أول محاولة للدخول في مسار اصلاحي ضريبي، مما يحرم اللبنانيين سنويا من حوالي 1400 مليار ليرة على الأقل تذهب الى جيوب مافيا المصارف والشركات العقارية والمالية والبورصة.

لقد تواطأ الجميع تقريبا على “السلسلة”، كل من موقعه وحساباته، بعدما شعروا في لحظة الحقيقة ان “نفيها” مجددا الى اللجان النيابية هو أقل كلفة، بالنسبة اليهم، من إقرارها بالصيغة المقترحة، خصوصا أن كل من يمكن أن يستفيد منها صار معترضا عليها.

وأتى الاعتراض الشديد للعسكريين على “الغبن” اللاحق بهم ليكون بمثابة “غطاء الانسحاب” النيابي من “السلسلة”، خصوصا أن لا أحد مستعد للظهور علنا في موقع من يظلم المؤسسات العسكرية والأمنية، في مرحلة تخوض فيها مواجهة شرسة ضد الارهاب.
ويمكن القول إن مروحة المصالح المعروفة بتناقضها الحاد، من المصارف الى “هيئة التنسيق” والعسكر، ومن “8” الى “14آذار” وبينهما الكتلة الوسطية، تقاطعت كلها في لحظة التقاء نادرة عند تأجيل استحقاق “السلسلة”!

بالنسبة الى الرئيس نبيه بري، يكفي ان المجلس عاد الى العمل من نقطة “السلسلة”، وهو القائل بأنها ممر إلزامي للتشريع، أما بعد ذلك فانه ليس مستعدا لتحمل وزرها المالي والاقتصادي وحتى الضريبي، ما دام المســتفيدون المفترضون منها، يعترضون عليها.
ظن البعض ان رئيس المجلس كان يناور عندما هدد بسحب “السلسلة” من جدول الأعمال، ناصحا بـ”ألا يجرّبوه”. لكنه فعلها، وكـأنه كان يردد في نفسه: “لقد تحملت عبء زيادة 1 في المئة على ضريبة القيمة المضافة برغم عدم اقتناعي بها، وتبعات المواجهة مع المصارف والهيئات الاقتصادية، لإقرار “السلسلة” وإيصال الحقوق الى اصحابها، ولكن لا اساتذة التعليم الرسمي راضون ولا معلمو القطاع الخاص موافقون ولا العسكر متجاوب، فلماذا أحمل السلّم بالعرض وأضع كل هؤلاء في ظهري. غدا، عندما تسود الواقعية وتهدأ الانفعالات سيعودون إليّ وسيلحّون عليّ ان أطرح مجددا مشروع “السلسلة” ذاته على جلسة تشريعية”.

أما الرئيس فؤاد السنيورة والنائب وليد جنبلاط، فلا “كيمياء” في الاساس بينهما وبين “السلسلة” التي يعتبران انها تنطوي على مغامرة في كل الاحوال. تحت الضغط، وافق الرجلان بصعوبة، ومن دون شهية، على الصيغة التي تم التوصل اليها خلال المفاوضات، ولذلك فإن إحالتها مجددا الى اللجان كان خبرا سارا لهما، برغم أن “اللقاء الديموقراطي” حاول الايحاء بالعكس.

وإذا كان “التيار الوطني الحر” قد شعر مؤخرا بأنه تحول من “مايسترو السلسلة” الى مجرد “كومبارس”، فانه وجد في عملية خلط الاوراق فرصة لاستعادة المبادرة، وتحديدا من بوابة الدفاع عن حقوق المؤسسة العسكرية والمطالبة بإنصافها.

ربما “القوات اللبنانية” هي أكثر من كان يفضل إقرار “السلسلة” في جلسة أمس، بعدما بذل النائب جورج عدوان جهدا كبيرا لإنضاجها. ومع ذلك، تستطيع “القوات” ان تتصرف الآن على اساس انها نجحت في تحصيل مردود سياسي من هذه المهمة، أقلّه على مستوى تطوير العلاقة مع الرئيس بري، ولو أن الأخير يحمّلها مسؤولية عدم ادارة ملف أساتذة التعليم الخاص بالطريقة المناسبة، بدليل ما حصل من اضراب مفتوح ومن مزايدات شاركت “القوات” في جزء منها.

وعلى الصعيد النقابي، فان معلمي المدارس الخاصة الذين حُرموا من الدرجات الست، سيستفيدون من الوقت المستقطع لمضاعفة ضغطهم لاكتساب تلك الدرجات، خصوصا في وجه المدارس الكاثوليكية التي شكلت خلية أزمة وكادت تعلن، بتغطية بطريركية، أن “السلسلة” تعني في مضمونها افلاس المدارس الكاثوليكية في لبنان!

كما ان اساتذة التعليم الثانوي الذين اعترضوا على العديد من جوانب مشروع “السلسلة” (الفارق بينهم وبين الابتدائي)، يفترضون ان معاودة البحث فيها داخل اللجان، قد تسمح لهم بتحسين مواصفاتها ومعالجة ثغراتها.

وعلى الضفة الاخرى، تنفست “الهيئات الاقتصادية” الصعداء، بعدما “نجت” من الضرائب التي كانت ترتبها عليها صيغة “السلسلة”، بل هناك من يقول ان بصماتها، وضمنها جمعية المصارف، موجودة على ليلة “الهروب الكبير” من “السلسلة”، ولو بطرق متعرّجة.

“الهروب الكبير”
كانت المؤشرات التشاؤمية قد بدأت تتجمع في الافق منذ نهار أمس الاول، مع تلاحق الاعتراضات على “الصيغة التوافقية” التي جرى التوصل اليها بعد مفاوضات مضنية بين بري والسنيورة وعدوان.

ومع حلول الليل، اكتملت الصورة القاتمة في عين التينة. “هيئة التنسيق النقابية” والهيئات الاقتصادية والمؤسسة العسكرية ليست موافقة على التسوية التي حُفرت رقماً رقماً خلال ساعات طويلة من المشاورات.

أكثر من ذلك، شعر بري ان أصوات المزايدات بدأت تعلو من هنا وهناك، تارة باسم حماية حقوق الجيش وطورا باسم الدفاع عن الفئات الشعبية التي ستطالها الزيادة على القيمة المضافة.

على خط آخر، كانت المصارف والهيئات الاقتصادية تذهب بعيدا في التهويل والضغط، بالتزامن مع ازدياد الطلب على الدولار في الايام القليلة الماضية التي رجحت خلالها كفة إقرار “السلسلة”، ليرتفع سعره من 1507 الى 1515 ليرة لبنانية. فجأة، وبعد شيوع نبأ تأجيل “السلسلة” انخفض سعر الدولار الى 1509!

صحيح انه لو عرُضت “السلسلة” على التصويت لكانت قد نالت على الارجح اكثرية نيابية، لكن بري الذي أحس بان نصابها الاجتماعي غير مكتمل، قرر ان يلعب ورقته المستترة، ويسحب أرنب التأجيل غير المتوقع.

تلاحقت الاتصالات في ساعة متأخرة من ليل أمس الاول بين بري والسنيورة وعدوان وكنعان، سعيا الى معالجة مطلب قيادة الجيش بإنصاف العسكريين في “السلسلة”، فيما كان وزير المال علي حسن خليل يعقد لقاء مع العماد جان قهوجي.

وفي حين طرح كنعان تعديلا بكلفة 26 مليار ليرة للضباط وبين 10 و20 مليارا للعسكريين، الأمر الذي رفضه عدوان باسم الرئيس السنيورة، تمنى وزير المال على وزير الدفاع سمير مقبل، ليل أمس الأول، أن يجتمع بالنائب عدوان بحضور قائد الجيش والفريق العسكري المعني بأرقام “السلسلة” (ضابطان)… وهذا ما حصل، لكن النتيجة كانت في آخر الليل، تمسك العسكريين بأن تكون لهم سلسلتهم المستقلة، على قاعدة الفصل بينهم وبين باقي سلسلة المعلمين وموظفي القطاع العام، علما أن السلسلة المستقلة تشكل نحو 65% من مجمل “السلسلة”!

وبالتزامن مع اجتماع عدوان بالجيش في اليرزة، كان وزير المال يخوض نقاشا مع كل من نواب “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، أفضى الى تفاهم على قبول تحفظهما أثناء التصويت على زيادة قيمة الضريبة المضافة، وترك الباب مفتوحا أمام بعض التعديلات التي يمكن أن تشمل سلسلة المعلمين والعسكريين.

وعُقد صباح أمس لقاء في مكتب رئيس المجلس ضمه الى السنيورة، ووزير الدفاع سمير مقبل، ووزير المال وعدوان وكنعان، اكتمل خلاله حفر “نفق” الخروج من “السلسلة”، اذ إن مقبل دخل الاجتماع وهو يحمل ورقة مكتوبة وصار يتحدث بأعلى صوته داعيا الى انصاف العسكريين وأن تكون لهم سلسلتهم المستقلة، غير أن بري أدرك أن هذا المسار سيقود الى حفلة مزايدة وعندها قال للحاضرين: “تريدون تدفيعي الثمن… أنا أملك خيارات بديلة”، رافضا مبدأ فصل سلسلة العسكر، معتبرا أن كل ما يجري هو عبارة عن ترقيع بترقيع.
وما إن تمنى مقبل في مستهل الجلسة التشريعية فصل القطاع العام والاساتذة عن المؤسسة العسكرية، بحيث تكون لها سلسلة مستقلة، حتى بادر بري الى احالة “السلسلة” الى اللجان النيابية المشتركة.

وقال وزير المال علي حسن خليل لـ”السفير” إن الخسارة الكبيرة في ضوء ما آلت اليه الأمور، أمس، هي للنظام والدولة “فلو أقرينا السلسلة برغم الشوائب والنواقص كان ذلك أفضل ماليا للدولة لأننا اليوم نصرف بلا ايرادات، وقد فوتنا على أنفسنا فرصة انجاز تصحيح ضريبي هو الأول من نوعه منذ الاستقلال”.

تجدر الإشارة الى ان المجلس أقر خلال نصف ساعة ست اتفاقيات مدرجة على جدول الأعمال، واقر من خارج جدول الأعمال اقتراح قانون يقضي بفتح اعتماد اضافي في الموازنة العامة قدره 626 مليار ليرة لرواتب الموظفين لمدة شهرين (تشرين الثاني وكانول الأول 2014).

السابق
الحريري التقى باسيل ومفاوضات العسكريين في «ممر» التعهدات
التالي
سيناريو التمديد على مسلك المخارج الدستورية