أردوغان في مرآة كوباني

التطورات في كوباني تتسارع على الأرض، والأنباء الأخيرة تفيد بأن طيران التحالف الدولي قصف المناطق التي يسيطر عليها تنظيم «داعش» في محيطها. وكان كثر توقعوا سقوط كوباني الجمعة الماضي بيد التنظيم لكن القصف الجوي ساهم في تغيير موازين القوى. ويبدو أن جبهة تركيا – أكراد سورية ستنتصر على جبهة «داعش». وأقول جبهة تركيا – أكراد سورية لأن الحرب في كوباني بددت الحدود بين الجانبين رمزياً وفعلياً. فـ «داعش» يحاصر كوباني من الشرق والجنوب والغرب، والجبهة الشمالية حيث الحدود مع سورية يحميها الجيش التركي، يحكم إغلاقها أمام آلاف الفارين الذين قصدوا تركيا في أول أيام الحرب، ليقودوا عائلاتهم إلى بر الأمان وهم، اليوم، يريدون العودة إلى كوباني للقتال. لذا، يزعم هؤلاء أن تركيا تدعم «داعش» في هذه الحرب. وخرج مئات الأكراد من الأتراك لمؤازرتهم، لكن أنقرة لم تسمح لهم بالعبور. وساهم موقف «حكومة العدالة والتنمية» هذا في تقويض العلاقات مع الأكراد، فشابها الشك وغياب الثقة. وهدد جميل بايك ومراد قره يلان، القياديان في حزب العمال الكردستاني، أنقرة بنسف عملية السلام بين الحزب والحكومة التركية. وقلق الحكومة من هذه التصريحات مفهوم، لذا، اسرع نائب رئيس الوزراء، وهو مسؤول ملف المصالحة الكردي، يالتشن أكدوغان، الى زيارة ماردين والقيادي الكردي المعتدل أحمد ترك للاستنجاد به. وأعلن، اثر الزيارة، الأخوة بين تركيا وأكراد سورية.

أكراد سورية هربوا من تركيا في 1925 خلال عصيان الشيخ سعيد الكردي، ومذ ذاك لم تجمعهم أي علاقة جيدة مع الحكومات التركية، بما فيها حكومة «العدالة والتنمية» الحالية. وأكدوغان الذي يتحدث عن الأخوة بين الأتراك والأكراد هو نفسه الذي قال قبل أسبوع في معرض الرد على أسئلة صحافية عن سبب عدم دعم الحكومة للأحزاب الكردية السورية التي تقاتل في كوباني: «فليقطعوا أولاً علاقاتهم ببشار الأسد الذي يدعمونه ويدعمهم». وتتهم قيادات كردية في «الكردستاني» حكومة أردوغان بدعم «داعش» وتؤكد أن الهدف من معركة كوباني هو اخلاء المنطقة، وأن هذا يصب في مصلحة تركيا التي تخطط لانشاء منطقة عازلة، والحؤول دون نشوء كيان كردي في سورية. ولكن ما لا تدركه حكومة أردوغان هو أن كوباني حازت أهمية تاريخية للأكراد، فهي في مصاف ستالينغراد في الحرب العالمية كخط دفاع أخير عن الاشتراكية، وكوباني هي خط الدفاع الاخير عن الوجود الكردي في سورية. ويرى كثر من الكتّاب والسياسيين الاكراد أن عملية السلام بين الحكومة والأكراد على المحك، وأن الحاجة تمس الى قتال أنقرة «داعش» أو وقف دعمها له وإلا واجهت تركيا مشكلات كبيرة، منها عودة الملف الكردي فيها الى خانة النزاع الأولى.

وترتجى فائدة من تغيير انقرة موقفها من «داعش» وتحقيق حلم الاكراد. فالتغيير يؤدي الى 1) تحسين صورة الإسلام في العالم، والفصل الواضح بين الإسلام وبين التطرف والإرهاب. 2) دحر «داعش» يوجه ضربة قاصمة الى التطرف المذهبي والسلفية الجهادية. فتتربع محلها تيارات إسلامية معتدلة ومقربة من تركيا، فيزيد نفوذ أنقرة. 3) تقويم علاقات تركيا بأميركا والغرب وإعادتها الى المسار الصحيح. 4) ارتقاء تركيا إلى حليف الأكراد الأبرز في المنطقة لأنها دافعت عنهم أمام «داعش» وحمتهم منه. ويخلف الدفاع عنهم أثراً إيجابياً في حل المسألة الكردية في تركيا.

فهل نتوقع من حزب «العدالة والتنمية» أن يقوم بهذه الخطوة ؟ ففي وقت يدعو أردوغان العالم الى دعم الحرب على «داعش»، ليس على لسانه سوى الحديث عن منطقة عازلة وفرض حظر طيران. وليس هذان بين خطط الولايات المتحدة، ولا علاقة لهما بالحرب على «داعش»، وهدفهما هو الحرب على النظام السوري. ويرى الأكراد أنهما يرميان إلى الحؤول دون إنشاء منطقتهم الكردية في سورية. ويبدو أن على تركيا الاختيار: إما الوقوف مع «داعش» وخسارة الاكراد، وإما أن تستميل إليها أكراد المنطقة في هذه المعركة المصيرية، وتخلّص المنطقة من ورم «داعش».

 

 

 

 

السابق
مستشفى الحريري.. تعنّت الرئيس يهدّد بالشلل
التالي
ثلوج على جبل المكمل لاول مرة هذا العام