تخيّل عالماً من دون داعش

تخيل عالما من دون جرائم بإسم الشرف، تخيل عالما من دون رؤوس مقطوعة و أجساد مذبوحة على الطرقات مشلوحة، تخيّل السلام كما يقول "جون لينون"، تخيّل عالماً من دون داعش.  

تخيّل عالما من دون إنتحاريين، تخيل عالما من دون متقاتلين، تخيل عالما من دون قاطعي أيدي محرضيين و متوعدين، تخيل عالما من دون جرائم بإسم الشرف، تخيل عالما من دون رؤوس مقطوعة و أجساد مذبوحة على الطرقات مشلوحة ، تخيل عالما من دون أتباع، تخيل عالما من دون أولئك الذين يفسرون أضغاث الأحلام على أنها حقائق والغائب على أنه حاضر.

يحكى و نقلاً عن أحدهم أن طفلاً ترعرع في كنف عائلة أنعم عليها الله بالخير، فامتلكت صرحاً حاكى بجماله الجنة المفقودة المتنازع على ولوجها، تلك المرسومة بألوان زهرية، أرضها خضراء منبسطة سهلية، داعب عشبها بحماسة القاصر المكتشف معايناً العالم المجهري فيها. نمت الجراثيم وشب هو معها متأثراً، فاعتنق البيان (إي فن الخطابة و اللغة )، كبر العالم الادنى بدنائة ولم يحاول أن يفهم منه هو العاقل إلا ما قدر له أن يفهم فإكتفى بالتسبيح خشوعاً وبالتمجيد خنوعاً و بالتضرع سبيلاً .

فكرة التدين ليست بغريبة عنا، وفيها للكافر الحق بالتوبة، و للزاني النجاة بالعفة، و للسارق أن يعلن توقفه عن السرقة، و للمشرك بعد إشراكه أن يوحد، وقياس عليه  فما بالك إذن بأبن اللاأصل وهو الذي لا ذنب له بخطيئة من أنجبه إن هو تعفف؟  أوليس له الحق في أن يلبس العفة  وتقبل منه ليصبح إن شاء خليفة أو أمير يأتمر بأمره الرعاع و يتربع على عرش مجتمع قبلي مقيد بالوارثة والتبعية؟

عالم الحجز هو ديمقراطيتنا، والدعوة الى عكسه  فيه كفر يتقاضى الساعي إليه نصيبه من الاذى والعزل، و الداعي إلى الحرية فيه كمقرض الناس المال دون فائدة يقضي عمره مسجون لا يطلق سراحه إلا بعد ان يتوب و يوقن الحاكم المستبد من انه لم يعد يشكل عليه خطر، يبقيه على قيد الحياة و تبقى معه صفة العجز  تلازمه.

القادة الإقليميون في إيران وشبه الدول العربية يؤمنون بالإيمان وبقدرتهم على الضم والفرز وفق مصالحهم، يلعبون بالنرد و يأملون من الكون المحيط بهم أن يكون لهم. مشهدهم بالامس و هم يعتلون المرتبة مس أهل الشهداء بالسقم،  عيونهم (إي أهل الشهداء)  هامت فوق موجات الضوء المنبعثة من الشاشة بحكم فيزياء الكم تأخذهم الى الخجل من ذاكرتهم يقذفونها بعيداً خوفاً من وزرها عليهم بعدما بان لهم أن ما حصل و يحصل يدخل في لعبة الأمم.

وعلى ما يبدو فإن فكرة الموت في سبيل المذهب أو القومية أو العشيرة الغاية منها إتمام تسوية على شاكلة المظهرة أمامهم، أما فكرة أن يكونوا ضدها فمرفوضة، و حرب التطهيرالمذهبية المخاضة كانت بمثابة الورقة الرابحة لحاملها .

محاربة المعممين الملتحيين تصنعاً، المسلمين منهم و المسيحيين، اليهود، الغنوصين، المانوين أم الأثنى عشريين، محرمة  شرعاً و لاهوتاً و تتعارض مع قانون الإيمان و إنتهاك حرية الأديان، صفتهم المؤمنيين وحجتهم حماية الدين والمتدينيين، وعليه فالتوحد ضدها يلزمه معجزة تتطلب خارقة، لكن يبقى أن هؤلاء وبتفكيرهم لا يرون النصر يتحقق إلا بمحاربة بعضهم لبعضهم الآخر طمعاً بأن يقودهم مبدأ التناقص الى الفوز بالواحدنية والظفر. أما الشراكة عندهم أو الإشتراك فمعصية فيها شرك يستوجب تأنيب، والحل المقبول والمصان قائم على قاعدة الذوبان أي ذوبان الأجزاء في الكل صاحب السيف والمقصلة .

إنها مستشفى الغير قابلين للشفاء في بلاد بشرت سلفاً بالرباط الى يوم الإنفجار الكبير، والتعجب المثار في بداية المقال  مقتبس من أغنية جون لينون “تخيل عالم مثالياً تتحق فيه المساواة و السلام بين البشر”.  من حينها و إلى الآن لم نعرف مصير القائل ولم ترد عنه اية أخبار، البحث مازال جار عنه لكن من دون طائل و لنا من الله وحده إن نسأل حسن الختام.

السابق
3 دول عربية في قائمة الأكثر دول خمولا!
التالي
غضب لبناني عارم على فيصل قاسم ودعوات لمقاضاته