عن الدولة الفاشلة

سمير التنير

من الملاحظ، وفي بداية القرن الحادي والعشرين على الصعيد الدولي، زيادة حدة الصراع الدموي والحروب الأهلية في كثير من بلاد العالم، خصوصاً في الدول التي توصف بالنامية. ولم يسلم من تلك الظاهرة بعض المجتمعات ذات الحضارات القديمة والتراث الثقافي العريض. وقد فرضت تلك الصراعات نفسها على المجتمع الدولي، إذ يعيش الآن ما يزيد على ملياري نسمة في بلدان تتعرض لمخاطر الحرب الأهلية والانهيار نتيجة للمشكلات الداخلية التي تتهددها. وقد وصلت الدولة في تلك المجتمعات إلى درجة من الضعف أفقدها القدرة على الحركة وعلى التصدي بقوة وفاعلية لتلك المشكلات. إن انتشار الفقر والفساد والجرائم والجريمة المنظمة، وانتشار الأسلحة في أيدي الناس، الذي يرافقه التطرف والتعصب الديني والعرقي، يمثل تهديداً لا شك فيه لوجود الدول نفسها. لذلك تسمى تلك الدول بالدول الفاشلة، إذ تعجز عن أداء وظائفها بالمحافظة على الأمن الداخلي وصد أي عدوان خارجي وتوفير الخدمات الأساسية للمجتمع من صحة وتعليم وعمل.
تتعرض الدولة الفاشلة للانقسام الداخلي الذي يهدد وحدتها وحدودها مع الخارج. وتتركز أهم النزاعات بالحركات الانفصالية التي تبغي الاستقلال عن الحكومة المركزية. ويؤدي ذلك إلى التمرد، خصوصاً في المناطق البعيدة عن العاصمة، وتفرض الجماعات الدينية والعرقية سيطرتها على بعض أجزاء الدولة. وبذلك يُلغى مبدأ التعايش بين الثقافات المختلفة. ويؤدي ذلك كله إلى السقوط في مهاوي الحرب الأهلية. وتتعرض الدول التي توصف بالفاشلة إلى الصراع الديني. وهو السبب المباشر لكثير من الحروب الأهلية التي تقع في العالم. وهو ناتج عن القيود التي تفرض على الحريات الأساسية. وتمتاز الدول الفاشلة عن غيرها بالتفاوت الشديد في نوعية الحياة والخدمات بين المدينة والريف. إن سوء الأوضاع الاقتصادية والتدهور المستمر في مستوى المعيشة لدى غالبية أفراد الشعب يترافق مع جشع الحكام، وفرضهم مصالحهم الخاصة على الدولة، ولجوئهم إلى القمع والبطش الذي يؤدي في النهاية إلى حدوث انفصال بين الحكومة والشعب، وبين الشرائح الاجتماعية داخل المجتمع نفسه. والفشل هو المقدمة الأولية لسقوط الدولة واختفاء كيانها وفقدانها الفاعلية والقوة.
إن الأوضاع المتردية في الدول الفاشلة تشجع على التدخل الأجنبي، الذي يرحب بتلك الفرصة ويقدم من خلال ادِّعائه الزائف بأنه يحافظ على سلام العالم وتمكين الشعوب والأفراد من الحصول على حقوقهم المشروعة، كما حدث في العراق مثلاً. إن الوضع في الدول الفاشلة مهما كان أمره لا يمكن ان يبرر تدخل القوى الأجنبية تحت أي ستار وأي سبب كان، إذ إن التدخل الأجنبي قد يكون السبب في تردي الأوضاع أكثر فأكثر. كما قد تكون بعض المنظمات الدولية تأخرت كثيراً ولم تتدخل إلا بعدما تكون الأمور قد أفلتت وأصبحت خارج السيطرة. وعلى كل حال، فإن التدخل الأجنبي تحت أي صورة يؤدي في كل الأحوال إلى زيادة العنف والخروج على قواعد القانون الدولي وتفاقم النزاعات المسلحة.

السابق
القمّة الروحيّة، إيران والرئاسة
التالي
صورتنا…