العالم تكتّل ضدّ داعش: هل كان أدونيس على حقّ؟

ادونيس
اليوم وفيما العالم يتكتّل ضدّ "داعش" ويطرح الأسئلة التي طرحها أدونيس في بداية الثورة السورية، يحقّ لنا أن نطرح سؤالا يعيد الاعتبار إلى أحد أبرز الكتّاب العرب في القرن الأخير: هل كان أدونيس على حقّ؟

أكثر ما يعلق في رأسي من قراءتي “كتابي” أدونيس “الكتاب 1″ و”الكتاب 2” هو جملة كررها أكثر من مرّة: “تاريخ – جبلٌ من الجماجم”.
أدونيس واحد من المثقفين والكتّاب، الحقيقيين، القلائل، الذين تخوّفوا من “الطابع الديني” لما سمّاه “حراكات” في دول عربية مختلفة. أيّد “حراك تونس” و”حراك ميدان التحرير” في القاهرة، لكنّه توجّس من “تظاهرات تخرج من الجوامع”، في سورية وغيرهها.
كانت حجّته أنّ “الثورات ربما غيّرت السلططة لكنها لم تغيّر البنى المعرفية التي أنتجت السلطات”، ودعا إلى “لأنّ ما يحتاج إليه المجتمع العربي ليس حراكا دينيا متواصلا منذ 15 قرنا بل إلى قطيعة معرفية وسياسية مع الحراك الديني”.
لكنّه كتب في حزيران 2011 الرئيس بشّار الأسد، في رسالة مفتوحة نشرها في جريدة “السفير”، أنّ “حزب البعث العربي الاشتراكي لم ينجح في البقاء مهيمنا على سوريا بقوة الايديولوجية وانما بقوة قبضة حديدية امنية”. وتابع: “تؤكّد التجربة أنّ هذه القبضة لا تقدر أن تؤمّن الهيمنة الا فترة محدودة ولا تقدم للشعب الذي تهيمن عليه الا التفكك والتخلف اضافة الى الاذلال واستباحة الكرامة البشرية”.
واعتبر أنّ “الحزب لم يُعطِ أيّ مكانة للانسان بوصفه إنسانا، فلم يبنِ الحزب جامعة نموذجية واحدة وعرقل نموّ الثقافة المدنيّة الحرّة، ودمّر أخلاق البشر مقيمًا الثقافة على الولاء له وعلى معاداة أعدائه، وعلى الشعارات التبشيرية التي كانت في معظمها سطحية وساذجة”. وفسّر هذا الكلام لاحقا بأنّ “حكم البعث، نظام الحزب الواحد، يختزل الشعب في بنية عقلية واحدة وهو شكل من أشكال الدين المؤدلج”، ورأى أنّ “المعترضين عليه يحاولون تأسيس حالة دينية موازية”.
وتطرق أدونيس إلى المادة 8 في الدستور السوري التي تنصّ على أنّ حزب البعث العربي الاشتراكي هو “الحزب القائد للدولة والمجتمع”، ودعا إلى إلغائها في 2011، باعتبارها “عنفا لا يمكن أن يدوم، لا يمكن لأيّ قوّة عسكرية مهما كانت مدجّجة أن تتغلّب على شعب، مهما يكن أعزل”.
يومها كتب المثقفون الليبراليون، الذين يعملون في وسائل إعلام تابعة لدول تعادي سورية، كتبوا وهاجموا أدونيس ووصفوه بأنّه مؤيّد لنظام الأسد وبأنّه يعود إلى جذوره “العلوية” في التعاطف مع النظام السوري ضدّ الثورة.
أدونيس الذي كان وما يزال أبرز من ناقش التراث الإسلامي، في “الكتاب” وفي “الثابت والمتحوّل” وفي كتب كثيرة ناقشت الصوفية والدين ووجود الله ونبوّة محمّد. أدونيس الذي كان الأكثر جرأة فيما آخرون فضّلوا الصمت طوال خلال 50 عاما، هذا الأدونيس رفض كثيرون الاستماع إلى خبرته.

قليلون ناقشوا أدونيس، وأكاد لا أجد ردودا جديّة على مقالات قليلة كتبها يشرح وجهة نظره. كان الكتّاب والصحافيون يريدون “الثورة” و”على العمياني”. يريدونها سريعة وحاسمة كما في تونس ومصر. رفضوا النقاش وعاملوه على طريقة “لا صوت يعلو فوق صوت معركة الثورة”.
سأل أدونيس عن “عدم وجود مشروع للثورة وعدم وجود قيادة” وأسئلة كثيرة ما زالت الثورة السورية تتخبّط فيها إلى اليوم. ودعا إلى “تغيير المجتمع”، وإلى “العلمانية” في حديث إلى فرانس برس في أيّار الفائت.
شيئا فشيئا بدأت الثورة السورية تفرز حالات إسلامية. حاول “خصوم أدونيس” اعتبارها “من إنتاج الأسد ونظامه” وكتبوا كثيرا عن “إطلاق الأسد الإسلاميين من سجونه”. كما لو أنّهم كانوا يغمضون عيونهم عن حقيقة ثابتة، وهي أنّ التاريخ العربي والإسلامي قد يكون خصبا في المجال الديني إلى درجة لا تُحتَمَل.
وبلا طول سيرة وصلنا إلى “داعش” التي تكتّل العالم كلّه في حلف ضدّها، وإن بدا أنّ لإيران وروسيا ونظام الأسد ملاحظات حول التكتّل، إلا أنّها لا تقف ضدّه في الشكل ولا في المضمون.
كان أدونيس مهجوسا بـ”فصل الدين عن الدولة”. وكان خصومه مهجوسين بـ”إسقاط الأسد”. والآن الدول الكبرى، وعلى رأسها أميركا، تبدو “أدونيسية” وهي تسأل عن “اليوم التالي” بعد سقوط الأسد. حتّى من كانوا ضدّ أدونيس باتوا خائفين من تمدّد “داعش” وسيطرتها على سورية ومن وصولها إلى بيروت، حيث معظم هؤلاء الكتّاب.
في بداية الثورة كنّا، ناشطين وكتّابًا ومثقّفين، ندعم الثورة بطريقة عاطفية وبعقل سياسي لا تاريخيّ، وبرؤية ضيّقة لا استراتيجية، وانفعال ثوريّ خالٍ من الهدوء النظريّ.
أدونيس الذي خاطر بأن يخسر حلمه الوحيد حاليًا، في موقفه الحذِر من الثورة السورية، وهي جائزة نوبل، التي يعرف الجميع أنّها تتأثّر بالسياسة. فيستحيل أن يحصل عليها في حين أنّ الغرب لا يعجبه موقف أدونيس من الثورة السورية. خاطر لكنّه كان متصالحًا مع نفسه. فلا هو يقيم في سورية، ولا عائلته، ولا يحتاج إلى مال الأسد ولا إلى نفوذه ولا إلى أوسمته ولا إلى وظيفة منه.
اليوم وفيما العالم يتكتّل ضدّ “داعش” ويطرح الأسئلة التي طرحها أدونيس في بداية الثورة السورية، يحقّ لنا أن نطرح سؤالا يعيد الاعتبار إلى أحد أبرز الكتّاب العرب في القرن الأخير: هل كان أدونيس على حقّ؟

السابق
«الإسلام وأصول الحكم» لعلي عبدالرازق: معركة حول قضية الخلافة
التالي
ما هي أكثر الكلمات التى يبحث عنها العرب على «غوغل»؟