«الإخوان اليهود» يحتلون إسرائيل

اليهود

إسرائيل على أعتاب تيار اقتراب لليهودية وازدياد التديّن. هل لذلك علاقة بتيار العودة إلى الدين في الشرق الأوسط كله؟ وما علاقة داعش بكل هذا؟

لقد باتت موجة الأسلمة التي تجتاح الشرق الأوسط واضحة للعيان. لكن هل هي تيار عام من التقرب إلى الدين في أرجاء الشرق الأوسط من غير أي علاقة بالإسلام؟

يبدو أن تيار التقرب لليهودية آخذ في الازدياد أيضًا في المجتمع الإسرائيلي، وهو مجتمع غربي وعلماني في أغلبه.

“الإخوان اليهود”

مع اقتراب نهاية السنة اليهودية وبدأ سنة جديدة “في رأس السنة” اليهودية، تصدّر في الكثير من المواقع والصحف عنوان “موجز السنة” في كل المجالات. لقد منح كثير منهم السنة الأخيرة لقب “سنة تعاظم اليهودية”، وقسم منها بقلق واضح.

“يبدو في السنة الأخيرة أن اليهودية نجحت في التغلغل في كل زاوية في حياتنا، واتخذت مكانتها في قلوب التيار العام في إسرائيل”، كُتب في موقع ماكو. “فجأة، يبشروننا بأن وزير التربية والتعليم، شاي بيرون، يرفق “دليلا روحانيًّا” لكل مدرسة، مقابل إقامة هيئة غامضة تدعى إدارة الهوية اليهودية؛ يصل الحاخامون ليلقوا المواعظ في الثُكنات، برعاية “قسم التوعية اليهودية” في الحاخامية العسكرية، وهي هيئة اسمها يستدعي إيحاءات غير مريحة عن غسيل الأدمغة”.

النقد الصادر من النص واضح تمامًا- هناك قلق في إسرائيل من ازدياد وتصاعد تأثير الحاخامين على الناس، وخاصة على مراكز القوى مثل الجيش، بل ومتخذي القرارات. مثلا، في الحكومة الحالية هناك دلائل على هذا التيار. ليس فقط حزب “البيت اليهودي” (الذي يدل اسمه دلالة واضحة على مقاصده) قد ازداد في الانتخابات الأخيرة، وحظي بـ 12 مقعدًا (من 120)، بعد الاستطلاعات في أعقاب الجرف الصامد، في الصيف الفائت في قطاع غزة، فإنه يحظى الحزب بـ 18 مقعدًا. هنالك من قارن الظاهرة بازدياد قوة ” الإخوان المسلمين” في مصر في أول القرن الماضي. هل بينيت وجماعته هم “الإخوان اليهود”؟

ليس هم فقط. يظهر وزراء ونواب كنيست أيضًا علامات عودة إلى اليهودية، مثل وزير التربية والتعليم المتديّن، وكذلك وزير الداخلية المستقيل، جدعون ساعر، المعروف بعلمانيته، لكن في المدة الأخيرة اشتُهر عنه بأنه بدأ بالحفاظ على قدسية السبت (أي عدم السفر، وإشعال النار، وعدم استعمال أجهزة كهربائية في يوم السبت)، بل وحاول فرض إغلاق الحوانيت أيام السبت في مدينة تل أبيب، المعروفة بعلمانيتها، وهي خطوة لم تنجح حتى الآن وأثارت موجة غضب واسعة ضد الوزير.

وكل هذا يحدث في الفترة التي فيها الأحزاب اليهودية المتديّنة (يهود أرثوذكسيين متطرفون) ليست في الائتلاف. إن كانت في الماضي أحزاب من مثل شاس، ويهدوت هتوراه هي التي “فرضت نغمتها” في كل ما يعرف بارتباط الحكومة باليهودية، بات هذا واضحًا الآن- يخلي اليهود المتدينون مكانهم للمتدينين القوميين، هؤلاء الذين يخدمون في الجيش، يشكلون نسبة كبيرة للغاية من المستوطنين في الضفة، ويتجولون مع قلنسوة منسوجة (على عكس قلنسوة الحاريديين السوداء).

موجة القومية

ما يشكل “خطرًا” في الموجة الحالية ليس الجانب الروحي فقط، بل هو الجانب القومي، بالأساس. الاقتراب لليهودية يتم مع الاقتراب من الرؤية السياسية اليمينية، التي في أغلبها عنصرية. كما يحدث مع عملية الأسلمة التي تجري في هذه الأيام في العراق وسوريا، التي تتمثل في اتساع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، التي تطمح بإنشاء الخلافة الإسلامية الموحدة من جديد، كذلك تفعل اليهودية القومية المتطرفة إذ تتمسك برؤيتها “أرض إسرائيل الكاملة”- دولة يهودية في منطقة إسرائيل، غزة، الضفة الغربية، بل والضفة الشرقية.

ويظهر هذا الأمر في مجال الإعلام. مما يثير الاهتمام، أن المحلل الرئيسي للشؤون العربية في القناة 10، القناة الإخبارية الثانية في حجمها إسرائيليًّا، مرّ في السنوات الأخيرة بمرحلة العودة إلى الدين. بين تقرير عن الحرب الأهلية في سوريا، ومقالة عميقة عن انتشار الإسلام في أوروبا بدأ تسفي يحزكيلي بتربية لحيته، اعتمار القلنسوة، وفجأة اختفى عن الشاشات أيام السبت.

في الفترة الأخيرة كتب سلسلة مقالات عن داعش، ولكنه اتُهم فورًا بتغطية مضللة وتخويف مبالغ به. هناك من قال إنه عرض التنظيم الإسلامي كتهديد سينتشر إن لم يوقف عند حده فورًا فسيحرض كل المسلمين في أوروبا ويقطع رؤوس غير المسلمين في الشرق الأوسط. لكن هل العرض المنحاز متعلق بازدياد تديّن يحزكيلي؟ هل ازدياد قوة اليهودية تأتي حتمًا مقابل ازدياد قوة الإسلام؟

الروح اليهودية

ربما كان الأمر “رد فعل” يهودي غير واع، ينبع من خوف ازدياد قوة الإسلام في المنطقة، وربما بالأحرى البحث عن مرساة روحانية في العالم الذي يتحوّل إلى عالم مادي أكثر فأكثر. بدأت دروس “الكبالاه” (تعاليم اليهودية السرية)، التي اشتهرت منذ مدة في هوليوود، في استقطاب جماعة من المؤيدين من بين المشاهير في إسرائيل. يصرح ممثل تلو الآخر، مطربون ومعروفون، عن أنفسهم أنهم بدأوا يحافظون على قدسية يوم السبت، على قوانين الحلال اليهودية أو حتى تعلم الفلسفة اليهودية.

سواء كان، من الواضح أن الأمر ليس مجرد “تيار عابر”، وإنما هو آخذ في تصاعد مستمر. ما دام الأمر في النطاق الروحاني والثقافي فقط، فإن دواعي القلق ضئيلة. لكن على ما يبدو فما دام التأثير السياسي للمتدينين القوميين سيستمر في التغلغل، سيكون على مواطني إسرائيل أن يكونوا قلقين على حرية دينهم.

 

السابق
قناعة جديدة: الأسد قبل «داعش»
التالي
أبشع امرأة في العالم