فارق كبير بين المُخبر والحليف

خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في الأمم المتحدة يدفع الى الإعتقاد بأنّ المنطقة تدخل مرحلة سياسية جديدة، في الوقت الذي يؤكّد فيه المسؤولون الأميركيون أنّ الحرب طويلة، والتغييرات البنيوية التي يمكن أن تحصل لا يمكن توقّع ملامحها كاملة حتى الساعة.
«هناك فارق كبير بين أن تكون طرفاً في التحالف الدولي أو أن تكون مُخبراً في خدمة أهدافه». هكذا يعلّق مسؤول أمني أميركي على الأنباء التي تردَّدت عن تزويد النظام السوري واشنطن، عبر طرف ثالث، معلومات «قيّمة» عن مواقع تنظيم «خوراسان» الذي استهدفته الغارات صباح الثلثاء الماضي.

ويؤكّد أنّ «الحديث عن احتمال استغلال النظام تلك الضربات ليملأ الفراغ الناجم من انسحاب مقاتلي «داعش» وأخواتها، لا يُغيّر في المعادلة السياسية المقبلة، خصوصاً أنّ قوات «المعارضة السورية المعتدلة» ليست جاهزة بعد لتغطية المساحة الجغرافية المترامية التي يمكن أن تنسحب منها «داعش»، ليس في سوريا فقط، بل في العراق أيضاً».

هناك مَن يقول «إنّ الحرب على «داعش» ستُغيّر في المعادلات والتحالفات القائمة، خصوصاً أنّ حجم الضربات واستمرارها، يبعث برسالة جدّية تؤكّد أنّ ما كان مسموحاً به في السابق، لم يعد مُمكناً في المرحلة المقبلة».

مُشاركة الدول العربية في العمليات تأتي هذه المرة بنحوٍ مختلف عن تجارب التحالفات السابقة. فهي أولاً رسالة بأنّ أمن سوريا والعراق جزء لا يتجزّأ من أمن تلك الدول، ومن مسؤولياتها، قبل أن يكون من مسؤولية الآخرين.

ثم هي رسالة الى المتحفّظين بعدما توالت ردّات الفعل المرحِبة، و»إرغام» عدد من الدول على الإنضمام الى التحالف «مخفورة»، فيما يتهيّأ آخرون للخروج من الغموض الذي طبع مواقفهم، كالموقف التركي الذي تعرّض ولا يزال لضغوط شديدة.

وتكشف أوساط أميركية مطلعة «أنّ تشديد واشنطن على أنّ الحرب لن تقتصر على سوريا والعراق، وأن لا حدود جغرافية لها، يحمل في طياته تلميحات واضحة بأنّ الحرب ستشتمل دولاً أخرى، خصوصاً دول شمال أفريقيا العربية، بعدما قدم العقل المبدع لـ»دولة الخلافة» أمس الأول، خدمة مجانية لقوى التحالف، عبر قطع رأس الرهينة الفرنسية». وتضيف «أنّ اصطفافات دولية وإقليمية جديدة ستنبثق تباعاً، ما قد يغيّر في العلاقة مع عدد من تلك الأطراف، وهذا يشتمل مصر مثلما سيشتمل دولاً أخرى غيرها».

والسؤال الذي يتردَّد في أوساط عدد من المسؤولين الأميركيين يتعلق بالمحور «الآخر» الذي بدا في إرباك شديد في تحديد خياراته المقبلة.
بعيداً من «لغة المبادئ» التي يرفعها البعض، تشير تقديرات عدة الى أنّ السؤال المطروح على الجميع لم يعد: هل يؤيد هذا الطرف أو ذاك التحالف الدولي – العربي أو يعاديه؟ بل ما هي المخارج المُتاحة أمامه للخروج من دائرة الإتهام في دعم الإرهاب؟

اذا كان البعض يراهن على إمكان إجراء مقايضات في الملفات، فالسؤال هو: «ما الذي يمكن أن تقدّمه تلك الأطراف لكي تتأهّل للإنضمام الى التحالف، في الوقت الذي تجوب فيه طائراته أجواء الإقليم»؟

تقول تلك الأوساط «إنّ ملف إيران النووي الذي كان يأخذ حيزاً مهماً في سوق المقايضات، لم يعد يحتلّ أولوية بعدما حدث. فطهران قد تكون في حاجة الى إعادة حساباتها السياسية والميدانية، بعدما تبيَّن لها مدى هشاشة منظومتها السياسية والعسكرية والتقنية، إذا ما قرَّرت واشنطن الكشف عن أنيابها.

لا بل إنّ تخوّف بعض الأطراف من أن تطاولها نيران الحرب على «داعش»، قد لا يجانب الحقيقة، خصوصاً أنّ هذه الحرب قد تستمرّ طويلاً وتطرح تغييرات عميقة في المنطقة». وتضيف تلك الأوساط «أنّ الإندفاعة الأميركية الراهنة تعيد صوغ الموقف الدولي برمته، بعدما تبيَّنت هشاشة التحالفات الأخرى، في الوقت الذي يشعر فيه الجميع بالحاجة الى واشنطن في مواجهة أخطار جسيمة كالتي يشهدها العالم اليوم».
هل سيؤدّي هذا الى تصدّعات في المقلب الآخر؟

غالب الظن أنّ هذا ما هو متوقّع بعدما نجح أوباما في تشكيل تحالف لا يعتمد على القوة البشرية الأميركية في الميدان، ضارباً عصافير عدّة بحجر واحد.

فدولياً، أبعَد تهمة الإحتلال الأجنبي في الوقت الذي يسعى فيه الى تكليف وزارة الدفاع الأميركية مهمّة قيادة العمليات العسكرية وإعادة تدريب القوات العراقية وتأهيلها وتشكيل قوات حرس وطني، وتدريب قوات المعارضة السورية وتسليحها بدلاً من الإستخبارات الأميركية، من أجل مزيد من «الشفافية».

أما داخلياً، فأعاد اصطفاف الحزبين الجمهوري والديموقراطي خلف قيادته، بعدما ضمن عدم توريط الأميركيين في حرب مكلفة بشرياً ومدعومة ومموّلة من شركاء متنوّعين. وهذا ما قد ينعكس على الوضع السياسي الأميركي الداخلي عشية الإستعداد للإنتخابات النصفية في مجلسَي الشيوخ والنواب، خصوصاً أن لا قيود كبيرة على قراراته بعدما شارفت ولايته على الإنتهاء.

السابق
جمهورية الفشل
التالي
خلية الأزمة لم تتوافق على مبدأ المقايضة في قضية العسكريين