صالح مسلم: «داعش» جزء من «تحالف دولي» ضد أكراد سوريا

يقف الأكراد السوريون الآن في معركة مصير أمام تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» – «داعش».

مدينتهم عين العرب (كوباني) تنتظر «مجزرة جديدة» ما لم يحصل تحول وحيد سيحدث الفرق. هذا ما ينقله رئيس «حزب الاتحاد الديموقراطي» صالح مسلم، مستفظعاً الصمت الدولي.
خلال حواره مع «السفير» يرسم شكوكه حول ترك «داعش» يسير بأسلحته الثقيلة، على راحته، لحصار مدينتهم، المطوقة من الجهة الأخيرة بالحصار التركي. هنا قمة المفارقة برأيه: «داعش» يحكم حصاره عليهم بفضل أسلحة أميركا، فيما الأخيرة تقود تحالفاً دولياً ضد «الدولة الإسلامية»، لكنه يقصف بعيداً عن فك الحصار. دائرة هذه الشكوك تكتمل مع سعي تركيا لإقامة منطقة عازلة، سيحاربها «الاتحاد الديموقراطي» باعتبارها احتلالاً.
ما أطلقه صالح مسلم أمس الأول الأربعاء، عبر مؤتمر صحافي في البرلمان الأوروبي، كان أقرب إلى نداء استغاثة. لم ينفعل المعارض السوري المعتّق في واحد من أوعر ميادين السياسة. بقي صوته هادئاً، ملتصقاً بالمنطق، رغم كونه يرصد اختناق البلدة التي ولد فيها.
كان يفترض أن يتنفس الأكراد المحاصرون الفرج مع ضربات التحالف الدولي. رحّب «الاتحاد الديموقراطي» بها، لكنه استنكر كيف لم يتم قصف قوات «داعش» التي تحاصر «كوباني». قدّم الحزب عرضاً صريحاً بأن يكون قوة تساند العمليات ضد «العدو» الدولي، ما دام البحث جارياً بمشقة عن قوات موازية على الأرض. لكن… لم يلقَ عرضه أي استجابة.
يقول مسلم، الذي لا تشي ملامحه بأنه تخطى الستين، «أخرجنا بياناً نرحب فيه بوضوح بالتحالف الدولي وعملياته. قلنا لهم نحن موجودون على الأرض وداعش يذبحنا. بالتأكيد نحن نريد التعاون معهم كي لا نُذبح. لكنهم حتى الآن لم يردوا بأي شيء. أعتقد أن هناك بعض الأطراف لا تريد تركنا لنظهر على الواجهة، وهو ما سيحصل إذا نسّق التحالف معنا. هناك تركيا ودول غيرها».
اشتداد الحصار على عين العرب أثار أسئلة حول قدرات القوات الكردية، سواء «الديموقراطي» أو قوات «الحماية الشعبية» المتكاتفة معه، خصوصاً بعد شيوع الحديث عن بروزها في صد «داعش» خلال معركة سنجار في العراق.
يصوّب مسلم تلك الرواية، طارحاً الأسباب التي أتمّت للحصار الحالي: «الاتحاد الديموقراطي لم يذهب (إلى سنجار)، بل ذهبت قوات الحماية الشعبية، ولا زالت موجودة هناك. التدهور الحاصل في كوباني ليس سببه عدم وجود المقاتلين أو نقص في المدافعين، فكل شعبنا موجود بقواته ليحمي نفسه. التدهور سببه أن المدينة محاصرة من ثلاث جهات (من قبل داعش). الأسلحة التي لديهم متطورة، يستخدمون دبابات ابرامز وعربات هامفي الأميركية المتقدّمة. أما الأسلحة التي بيد الشباب فهي لا تكفيهم، حقيقة لا توجد أسلحة. ما لديهم هو رشاشات خفيفة وآر بي جي، وهذا لا ينفع مع المصفّحات الأميركية. ما ننتظره هو مجزرة محتملة في أي ساعة، لكننا سنحارب حتى النهاية».
من خلف نظارة طبية صغيرة على وجه ضخم، لا يكفّ مسلم عن بث شكوكه بخلفيات مصادر قوة «العدو» العالمي. يشرح أن أسلحة «داعش» جاءت نسبياً من كتائب «الجيش الحر»، التي انضمّت للتنظيم، وبعضها من سقوط مطار الطبقة العسكري مؤخراً. لكنه يصرّ على أن الأسلحة المؤثرة جاءت بطريقة «مشبوهة»: أولاً، تلك التي حصل عليها «داعش» من مخازن «الجيش الحر» قرب المعابر التركية «أعطيت له، وليس كما قالوا إنها نتيجة الهجمات». وثانياً، الأسلحة الأثقل جاءت من الموصل.
يشدّد على أنه لا يوجد أي منطق يمكنه أن يفسر «كيف أن ستة ألوية من الجيش العراقي تركت كل أسلحتها هكذا، تركتها لداعش، ولم تبذل أي جهد للدفاع عنها».
علاوة على ذلك، تمّ السماح للتنظيم بتسيير أسلحته الثقيلة، التي لم تغب لحظة عن مجهر «الرادارات» الأميركية، لعشرات الكيلومترات كي تحاصر كوباني. غارات التحالف، «أهلاً بها»، لكن جاءت «متأخرة أسبوعاً»، قبل أن يكمل «داعش» طريقه إلى تطويق المدينة. وعندما جاء القصف، كانت أهدافه بعيدة، بين 15 و20 كيلومتراً، عن دائرة القوات المحاصِرة لعين العرب.
في ظل هذا الواقع، يوضح مسلم، أن هناك شيئاً وحيداً يمكنه أن يحدث الفرق: «لدينا قواتنا، لذلك فما يحدث الفرق هو نوعية الأسلحة. عندما تصلنا أسلحة مضادة للدروع، تستطيع تخريب عربات ودبابات ابرامز وهامفي الأميركية التي جلبوها علينا من الموصل. حينها فقط ليس لدينا مشكلة، يمكننا الدفاع عن أنفسنا. داعش يحاصرنا من ثلاث جهات، وتركيا في الطرف الرابع تغلق الحدود. يمكن للأسلحة أن تدخل عبر تركيا، أو يمكنهم أن يقدّموا الأسلحة لجماعتنا الذين يدافعون من الجهات الأخرى، وهم يوصلوها لنا، لأن جماعتنا الآتين لنجدتنا من الطرف الشرقي، يواجهون أيضاً الأسلحة الثقيلة نفسها».
وتشكل عين العرب رأس مثلث قاعدته حلب والرقة. وموقعها المنقطع عن كثافة المدّ الكردي شرقاً في القامشلي والحسكة، جعلها شوكة في طموحات كتائب «جهادية» سابقاً و«داعش» الآن. المدينة تلامس الحدود التركية، وفيها عائلات منقسمة على الطرفين. سكانها قاربوا نصف مليون شخص، من المدينة وقراها، منهم حوالي 200 ألف نازح.
خلال عرض مسلم لواقع المعركة، يقفز سؤال، يطرحه كثيرون الآن، حول دور «حزب العمال الكردستاني» الذي تحرك مقاتلوه لمساندة البشمركة في إقليم كردستان العراق. يتحفظ نائب المنسق العام لـ «هيئة التنسيق الوطنية المعارضة»، فحزبه لطالما عدّ شقيقاً لـ«الكردستاني». يعتبر السؤال إقحاماً، مؤكداً أن الأكراد من كل المنطقة، بما فيها إيران، يتقاطرون لصدّ اجتياح «داعش».
ويقول بكلمات متروية: «هناك قوات من شبابنا أتت من الشمال والجنوب وغيرها. نحن نرحب بكل أحد يريد الدفاع عنا. لكن ليست القضية أن حزب العمال الكردستاني أرسل أم لم يرسل. هؤلاء الآتون من كل أنحاء العالم، من تورا بورا، ماذا لهم عندنا؟ ثم يُطلب منا أن نسأل عن هوية مَن يأتي ليساندنا. كل الشعب يتقاطر للدفاع عنا. لدينا أكراد إيرانيون انضموا إلى صفوف الشباب في الاتحاد الديموقراطي».
كل القضايا تتشابك في المشهد العاصف للمنطقة: نجدة كردستان والصمت على حصار كوباني، الحساسيات الملتهبة دائماً مع تركيا، التحالف الدولي ومَن يجب أن يُشكَر ويُذَمّ. حينما كان مسلم ينهي مؤتمره، في البرلمان الأوروبي، كانت تتم هناك مساءلة مسؤولين أوروبيين حول مسائل شديدة الصلة.
لفت متحدثون عديدون إلى دور «الكردستاني» في مساندة قوات البشمركة، معتبرين أن القبعة يجب أن ترفع لأدائهم ضد «داعش». لذلك سُئل مسؤولون أوروبيون لماذا لا يُزال الحزب من القائمة الأوروبية للمنظمات الإرهابية. أجاب أحد المسؤولين مقرّاً بأن قوات «الكردستاني يقاتلون أكثر من البشمركة في سوريا والعراق»، لكنه لفت إلى أن تركيا تطلب إبقاءه على القائمة السوداء. وأضاف أن السبب هو عملية السلام بين أنقرة وزعيم الحزب عبد الله أوجلان.
تركيا طلبت من الأوروبيين الداعمين للعملية «إبقاء الحزب على القائمة كي لا يكون أمامه بديل عن السلام. حالما يصلون إلى نتيجة سنزيله من القائمة»، كما قال المسؤول الأوروبي.
الحساسية التركية لا تحتاج إلى شرح مفردات في حديث صالح مسلم. بخصوص المنطقة العازلة، التي تسعى أنقرة لإقامتها في الشمال السوري، يقول «نعتقد أن المنطقة العازلة، تحت إدارة تركيا، هي احتلال لمناطقنا. لا نعرف لماذا قرروا إقامتها الآن، لو كانت تحت الحماية الدولية، كنا سنقول أنها امتداد (للتحالف الدولي)، لكن أن تكون تحت الحماية التركية، فهذا يعني أنهم يفرضون علينا شيئاً معيناً. يعني أن هذا احتلال تركي سنقاومه».
لا يعرف صالح مسلم ما الذي سيحدث لمدينته المطوقة. يجول في أوروبا، منذ سنة ونصف السنة، ولم يتوقف في الأسابيع الأخيرة عن التحذير من أن تلقى عين العرب مصير سنجار».
وعندما سألناه عن تفسيره لهذه الانتقائية الدولية، ردّ بأن الهدف هو القضاء على «نموذج» الإدارة الكردية في الشمال السوري. وقال إن لا أحد يريد له أن يكون «موديل»، لا لسوريا ولا للشرق الأوسط، مضيفاً «المثال الذي نقدّمه يغيّر المعادلة كلها. مَن يرغب بأن تكون هناك لغة سريانية رسمية في سوريا؟ السريان هم مكوّن أصيل في نسيج المنطقة. في كانتون الجزيرة (منطقة الإدارة الكردية) هم يأخذون حقوقهم. أين هي حقوق السريان في تركيا وإيران؟ لا يوجد شيء. لكن عندما السريان والأكراد والتركمان والعرب، كلهم يريدون العيش معاً مؤمنين بالديموقراطية، فهذا يُغيّر المعادلة في الشرق الأوسط كله. لا يبقى حينها مكان للنهب كما الآن. هذا يريد بترول وهذا مصالح وذاك شركات، وفق توازنات معينة، وعندما يريدون يجعلون الشعب المسكين يتقاتل».
يهمّ صالح مسلم بالمغادرة، حاملاً حقيبته الجلدية الصغيرة مثل جيبٍ ملحق. نطرح سؤالاً أخيراً عن العلاقة مع رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني الآن، فهي لطالما اتسمت بالحساسية والتقلّب. يردّ بحذر متجنباً بثّ السلبية: «هناك تقارب نتمنى البناء عليه. هناك نيات حسنة، لكن على أرض الواقع لم يحدث شيء. إن شاء الله يحدث».

السابق
سلسلة الرتب والرواتب هدية اللبنانيين في عيد الأضحى
التالي
صيدا ترمم قلعتها