جنبلاط يسعى لتفكيك الألغام وتوحيد الساحة الداخليّة

جال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، خلال الأسابيع الأخيرة في معظم مناطق الجبل وصولاً إلى العرقوب وحاصبيا والبقاعين الغربي والأوسط. وعمد جنبلاط خلال جولاته الشعبية إلى عقد لقاءات علنية وغير علنية مع مشايخ الموحدين الدروز ومشايخ من الطوائف والمذاهب الأخرى، إضافة إلى عقد لقاءات مع مسؤولي الحزب التقدمي الاشتراكي والفعاليات السياسية والاجتماعية، وعقد في الشويفات ودير قوبل لقاءً خاصاً مع «أتباع الداعية عمار» وهم مجموعة متشددة من مشايخ الدروز (شاركت في القتال ضد حزب الله في أيار 2008) وفي الجنوب والبقاع عقد جنبلاط سلسلة لقاءات مع المشايخ في خلوات البياضة وفي مجدل عنجر مع مفتي البقاع الشيخ خليل الميس وعدد من المشايخ.

وخلال هذه اللقاءات أطلق جنبلاط العديد من التصريحات للإسراع في معالجة ملف العسكريين المخطوفين وقضية موقوفي سجن رومية، وصولاً إلى دعوته الموحدين الدروز إلى تعزيز علاقتهم مع بقية الطوائف الإسلامية عبر اعادة بناء المساجد واحياء العبادات الخمسة ومواجهة التطرف من أية جهة أتت.

ورفض جنبلاط مقولة الأمن الذاتي وأكد أهمية معالجة الأزمات السياسية الداخلية ورفض زج الموحدين الدروز في الصراع داخل سوريا، وميَّز بين الأشخاص الإرهابيين أو المتهمين بالإرهاب والمواطنين العاديين سواء كانوا لبنانيين أو سوريين.

فما هي الأساب الكامنة وراء جولات النائب جنبلاط في مختلف المناطق؟ وماذا تضمنت هذه الزيارات من أجواء خاصة وماذا حققت من أهداف ونتائج؟

الأسباب الكامنة وراء الجولات

بداية ما هي أبرز الأسباب الكامنة وراء الجولات التي قام ويقوم بها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في مناطق الجبل والعرقوب وحاصبيا والبقاع؟

تقول مصادر مطلعة في الحزب التقدمي الاشتراكي ان وراء الجولات الجنبلاطية أسباباً عديدة، من أهمها:

1- الخوف السائد لدى العديد من الأوساط اللبنانية من تداعيات ما جرى في عرسال قبل شهر ونصف وما يجري في سوريا والعراق من أحداث. وردود الفعل على خطف العسكريين اللبنانيين والخوف من انتقال هذه الأحداث الى مناطق لبنانية أخرى، خصوصاً في الجبل ومنطقة العرقوب وشبعا والبقاع الغربي.

2- حصول بعض ردود فعل على اللاجئين السوريين في بعض المناطق وتحميلهم مسؤولية بعض أحداث العنف وقتل الجنود والعسكريين اللبنانين من قبل جبهة النصرة وداعش، والحديث عن وجود «خلايا نائمة» في بعض المناطق قد تنفذ عمليات عسكرية أو أمنية دعماً للنصرة أو داعش.

3- حصول بعض الأحداث والمشاكل ذات البعد الطائفي والمذهبي في منطقتي العرقوب وحاصبيا، ما أدى الى توتر الأوضاع في هذه المناطق.

4- بروز الدعوات لتشكيل لجان تتولى الأمن الذاتي في العديد من المناطق وانتشار موجة العودة الى السلاح والتدريب على السلاح في اطار الاستعداد لأية معارك أو أحداث قد تحصل في الفترة المقبلة.

5- تسارع الأحداث في المنطقة، ولا سيما في العراق وسوريا وسيطرة داعش على العديد من المناطق، والخوف من أن يمتد الخطر الى المناطق التي يوجد فيها الموحدون الدروز سواء في لبنان أو سوريا.

6- ازدياد تأزم الوضع السياسي الداخلي وانعكاسه السلبي على الوضع الأمني وعدم وجود أفق لحلول قريبة، ما يتطلب تعزيز الوحدة الداخلية ومنع حصول أية انعكاسات أمنية بسبب الخلافات السياسية.

أجواء الزيارات ونتائجها

لكن ما هي أجواء الزيارات والجولات التي قام بها الأستاذ وليد جنبلاط الى مختلف المناطق؟ وما هي أبرز النتائج التي تحققت حتى الآن؟

حول أجواء الزيارات والجولات واللقاءات تقول المصادر المطلعة في الحزب التقدمي الاشتراكي ان هذه الجولات تضمنت شقين: الشق الأول لقاءات علنية وجولات مفتوحة مع المشايخ ومسؤولي الحزب التقدمي الاشتراكي ومختلف الفاعليات والمواطنين، وأطلق خلالها جنبلاط العديد من المواقف حول مختلف الموضوعات وتركزت على تهدئة الأجواء والدعوة لحل مختلف المشكلات بالحوار، وخصوصاً قضية الجنود والعسكريين المختطفين وموقوفي سجن رومية، فضلاً عن الدعوة إلى رفض الأمن الذاتي ومواجهة التطرف والتشديد على حماية اللاجئين السوريين وعدم القيام بأية ردة فعل تجاههم وتحميلهم مسؤولية ما يجري من أحداث في مناطق أخرى.

وكرر جنبلاط في جولاته مواقفه المبدئية تجاه الأوضاع في سوريا ودعوته للموحدين الدروز بالحياد وعدم التدخل في الصراع القائم، مع انه أشار الى ان هذه الدعوات لم تلق التجارب الكامل سابقاً.

أما في اللقاءات غير العلنية، وخصوصاً مع اتباع «الداعية عمار» ومشايخ الموحدين الدروز ومع بعض الفعاليات في الجبل والعرقوب وحاصبيا والبقاع، فكانت النقاشات أكثر وضوحاً وصراحة حسبما تقول مصادر الحزب التقدمي، حيث جرى استعراض ما يجري في المنطقة من تطورات والمخاوف الناشئة عن تمدد تنظيم داعش الى العديد من المناطق وضرورة التعاطي مع التطورات بهدوء ورفض الانجرار الى الفتن الطائفية أو المذهبية وعدم تكرار ما حصل بعد اغتيال الزعيم كمال جنبلاط عام 1977 من خلال استهداف الأبرياء من نازحين سوريين رداً على بعض الأعمال.

ولم يخف جنبلاط في لقاءاته العلنية والخاصة من قلقه وخوفه من التطورات مع رفضه العودة للعمل الميليشياوي أو ما يسمى «الأمن الذاعي» وشدّد على دور الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية اللبنانية وعلى الدولة اللبنانية.

إذن، جنبلاط يحاول اعادة الامساك بالأوضاع الميدانية والشعبية في معظم المناطق وهو يريد منع انجرار هذه المناطق الى أحداث أمنية وفتن طائفية ومذهبية.

وقد أبدى العديد من الأوساط السياسية والحزبية ارتياحها لما يقوم به جنبلاط من نشاطات وما يطلقه من مواقف بغض النظر عن الاتفاف أو الاختلاف معه في بعض التفاصيل.

فهل سينجح جنبلاط بمنع امتداد الحريق المشتعل في المنطقة وعلى الحدود اللبنانية – السورية (خصوصاً في منطقة عرسال) الى مناطق أخرى، أم أن حجم الصراع وتداعياته ستكون أقوى من الجهد الذي يبذله جنبلاط وغيره من القيادات اللبنانية؟

 

 

السابق
تنزيه زوجات الأنبياء عن الفاحشة في الضاحية
التالي
نصائح لتجاوز آثار تجربة عاطفية مؤلمة