العلامة هاني فحص مبتهلاً في سيدة قنوبين

في ارتحالك الهادئ والمستكين، علامات التسليم للباري تعالى، انت المؤمن الامين تعود اليه: إنّا لله وإنا اليه راجعون، راضيا مرضيا، بعد ان اتممت سعيك وحفظت ايمانك.

شهادتي المتواضعة، حيال قامتك الدينية والفكرية وعلمك الموسوعي، تقتصر على الفترة الوجيزة التي تسنى لي التعرف خلالها اليك في لقاءاتنا ضمن تجمع “معا نعيد البناء”، ترفده مع تؤامك الروحي الاب مارون عطاالله الانطوني، امد الله بعمره، بالنيّر من الافكار والجريء من الاقوال، في مسار معاكس لحال الوهن التي نعيش، والتي زادتك تشبثا بلبنانك، حتى لأخالك تردد مع جبران خليل جبران: “لكم لبنانكم ولي لبناني”.
قيّض لي يا سيد ان نترافق معاً ليومين، صحبة وجوه جنوبية عاملية كريمة، الى اهدن وجبة بشري ووادي قاديشا، تسألني على الطريق شروحا جغرافية وتاريخية عن المنطقة، فأجيبك، وانت المأخوذ بمجال الطبيعة ورهبة الامكنة، غارقا بصمتك البليغ دليل روعة واعجاب بما ترى.
وتبلغ ظهر اليوم التالي، عمق الوادي المقدس: دير سيدة قنوبين، فتسأل بكياستك المشهودة رئيسة الدير لأداء صلاة الظهر في باحة الكنيسة، فيأتيك الترحيب للحال. وها نحن في مشهدية قل نظيرها. ادعية وابتهالات تتناغم مع جرس التبشير الملائكي، وجوه تسجد للباري وأياد ترتفع نحو السماء، وانت المبحر بايمانك تؤم المصلين، ونحن مع زوار وجمهور الدير ننتشي بهذا الوهج الروحاني فنتشارك معا بفرح عامر، لحظة التجلي الايماني العميق.
وندخل بعدها الكنيسة الاثرية، فتنصت لشروحات تاريخية عن الدير وماضيه المقدس، متأملا الجدرانيات، طارحا الاسئلة، متلقفا الاجوبة، ثم، مدفوعا بايمانك الصادق، تعتلي درجات المذبح وتتلو صلاة الابتهال في انخطاف روحاني، امام جمع المصلين، الذي جسّد في تلك اللحظة البهية اصالة العائلات الروحية وانصهارها العميق حيال صدق الاديان وعمق الايمان.
يا سيد، يا اكرم الراحلين، لدى سماعي نعيك، وكنت اتوجسه مسبقا، عدت معك الى قنوبين، واسترجعت دامعا تلك اللحظات المشهودة، لحظات الانخطاف الروحاني، وقد كنت طوال مسارك الميمون خير المؤمن، وخير العلامة، وخير المفكر وفوق كل ذلك خير الانسان الانسان.
لدربك درب الاخيار الصالحين، اما نحن فلنا من بعدك صورة وجهك الباسم، وذكرى غالية نحفظها في قلوبنا وعيوننا، سائلين لروحك الغالية دوام البقاء في دار الخلد.

السابق
تحذير ديبلوماسي من عودة الاقتتال بين الجيش والإرهابيين في عرسال
التالي
قتلت زوجها لإجبارها على ممارسة الرذيلة