الكيان الإسرائيلي وعقدة أيلول

كان من المفترض أن يحتفل نتنياهو وفريقه الأمني وكيانه المغتصب وتوزيع الحلوى السياسية والدبلوماسية بمناسبة مرور 17 سنة على إغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في العاصمة الأردنية عمان، إلا أن المشيئة والعناية الإلهية، ثم كفاءة وقدرة الحرس الخاص حالت دون تنفيذ المهمة، ليتحول تاريخ 25/9/1997 إلى علامة فارقة في صراع نتنياهو مع المقاومة وكان حينها رئيساً لوزراء الكيان الإسرائيلي، وليتحول الحدث إلى كابوس مزعج وعقدة إستراتيجية في مسار تحقيق الرؤية الصهيونية في سياق الصراع العربي الإسرائيلي.

فشل عملية الإغتيال الإرهابية على يد الموساد واعتقال الفاعلين ومبادلتهم الفوري من قبل الحكومة الأردنية بمؤسس حركة حماس الشهيد الشيخ احمد ياسين، الذي كان معتقلاً في السجون الإسرائيلية منذ العام 1989، مقابل تسليم الترياق وشفاء مشعل، أدت إلى إحراج نتنياهو ورئيس الموساد آنذاك داني ياتوم، فعلى صعيد الجبهة الداخلية الإسرائيلية قيَّمت حكومة الإحتلال العملية على أنها عمل صبياني ونظرت إلى “رئيس الوزراء” كرجل فاشل في الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني بالتخلص من أحد أعمدة المقاومة بعد العمليات الإستشهادية الناجحة التي نفذها عدد من مقاتلي حركة حماس داخل فلسطين المحتلة عام 1948 إثر اغتيال الإحتلال للقائد القسامي الشهيد يحيى عياش في بيت لاهيا في قطاع غزة بتاريخ 5/1/1996، حينها لم تكن قد توقفت الإنتقادات والإتهامات لنتنياهو وفريقه بعد إبادة 12 جندي من وحدة الكوماندوس البحرية الإسرائيلية “الشييطت”على يد حزب الله في خراج بلدة أنصارية جنوب لبنان في الرابع من أيلول 1997، والإحراج لم يقتصر فقط على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، فقد تعداه إلى توتير العلاقة مع الأردن الذي تربطه معها معاهدة سلام ضمن إتفاق وادي عربة الذي تم التوقيع عليه في 26/10/1994، و”للتكفير عن الذنب” ذهب نتنياهو وقدم الإعتذار شخصياً للملك الأردني الراحل الحسين بن طلال. ولم يسلم الكيان المغتصب من المأزق الدولي الذي وقع فيه، فقد استخدم عناصر الموساد المكلفين باغتيال مشعل جوازات سفر كندية مزورة، أدى الى أزمة دبلوماسية بين الطرفين، واستدعت كندا حينها سفيرها في دولة الكيان احتجاجاً، عدا عن النظرة الغربية الدولية للكيان بالإنتهازية والإستغلال وتنفيذ الغاية مهما كانت الوسائل ولو على أدى إلى سرقة شرعية الآخرين. أدركت الإدارة الأمريكية من أن اغتيال مشعل سيسبب أزمة عالمية وسيعيق مسار التسوية وعملية السلام في المنطقة لذلك تدخل الرئيس الأمريكي بيل كلنتون وأصر على تسليم الترياق.

في مراقبة دقيقة للرسم البياني للإحتضان الشعبي للمقاومة قبل وبعد محاولة الإغتيال الفاشلة، سواء في الوسط الفلسطيني أو المتضامنين من العرب وغير العرب، نجد بأن المؤشر قد ارتفع وبشكل ملحوظ خاصة بعد أن قام بزيارة مشعل في المستشفى والإطمئنان على صحته كل من الملك حسين، والرئيس الشهيد ياسر عرفات، وقد قال مشعل حينها تعليقاً على محاولة إغتياله بأنها تحولت من “محنة الى منح عديدة منها سقوط أسطورة الموساد”، فقد قفزت القضية الفلسطينية قفزات نوعية، وتبوَّأت صدارة الأحداث المحلية والإقليمية والدولية ولفتت نظر العالم الى حقوق الشعب الفلسطيني، وللمفارقة كان حينها ذكرى مرور أربعة سنوات على توقيع إتفاق أوسلو في 13/9/1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الإسرائيلي ولم يكن قد تحقق شيئ من الإلتزامات الإسرائيلية، ومرور ستة أشهر على توقف المفاوضات في محاولات دولية لإعادة إحيائها من جديد.

وبعد 17 سنة على محاولة اغتيال مشعل يعود نتنياهو الى رئاسة وزراء الكيان، وتبقى دائرة الصراع مع الكياني الصهيوني مستمرة، فالعقدة التي يعيشها الكيان الإسرائيلي مع الشعب الفلسطيني والمقاومة لا تتوقف عند أيلول وما فيه من أحداث جسام، بل تعود الى جذور الصراع مع الكيان المغتصب واستمرار وثبات إرادة الشعب الفلسطيني على المقاومة وتحصيل حقوقه المشروعة على مدى ما يقارب القرن من الزمن؛ منذ وعد بلفور 1917 مروراً بالإنتداب البريطاني على فلسطين في العام 1918 وقيام دولة الكيان الإسرائيلي عام 1948 وما تبعها من تكريس للاحتلال لكل فلسطين التاريخية في العام 1967 حتى اليوم، ولتعود ظلال كابوس المقاومة في أيلول تنسج خيوطها بعد عملية “الجرف الصامد” الإسرائيلية العدوانية على قطاع غزة، والآن في مفاوضات القاهرة، ولتبقى حتى زوال الاحتلال..

السابق
أوروبا تسعى الى استيراد الغاز الإيراني بعد رفع العقوبات
التالي
المثالثة طُرِحت مُجدّداً ورفضَها الراعي… وبكركي ضد «سرايا مقاومة» مسيحية