استراتيجية فعالة لدحر داعش

يبدو أننا نحن الأميركيين في طريقنا للمشاركة الفعلية في الحرب ضد «داعش». ولقد استخدمت كلمة «يبدو» بمفهومها المقصود والدقيق لأن الأمور الواقعة على الأرض تنطوي على الكثير من عناصر الغموض والخداع والتضليل. صحيح أننا قصفنا بالفعل أكثر من 200 هدف عسكري لـ«داعش»، وصحيح أيضاً أن الرئيس أوباما عبّر عن كامل عزمه وتصميمه على تفكيك وتدمير «داعش»، وأن نائبه «بايدن» صعّد التهديد أكثر عندما ألزم نفسه «بملاحقة عناصر التنظيم حتى بوابة جهنم». وصحيح كذلك أن الكونغرس رصد ميزانية ضخمة لدعم فصائل مختارة من مقاتلي المعارضة السورية، ولكن، برغم كل ذلك، ما زال هناك الكثير من الأحجار المتحركة التي لا يمكنها أن تتطابق مع بعضها البعض لتشكيل الصورة الحقيقية للعبة، وما زلنا نجهل حتى الآن ما يجب أن نقوله حول ما سنفعله، وما هو الهدف النهائي منه.

لست من نوع الناس الذين يهزأون مما يقوله رئيسهم، خصوصاً عندما صرّح للصحافة قبل أسابيع قليلة بأنه لم يبلور استراتيجية متكاملة لمواجهة «داعش». وبرغم سيل الانتقادات التي صدرت عن أقطاب اليمين (الذين يرون أن الاستراتيجية الفعالة تقضي ببدء القصف الجوي أولاً وتوجيه الأسئلة لاحقاً)، فإني أتمنى على الرئيس أن يخصص بعضاً من وقته الثمين لتطوير تلك الاستراتيجية وإخراجها إلى حيّز الوجود والتطبيق.
كما إني لا أوافق شخصياً أولئك الصقور الذين قالوا إننا لو لم ننسحب من العراق، أو لو أننا قمنا بعمل عسكري ناجز في سوريا قبل فوات الأوان، لما تحولت «داعش» إلى «المصيبة» التي أصبحت عليها الآن. فهذه الانتقادات والأطروحات تتغافل عن الحقيقة الثابتة التي تفيد بأننا انسحبنا من العراق لأن إدارة بوش سبق لها أن عقدت اتفاقية مع الحكومة العراقية أدت إلى تعريض القوات الأميركية التي بقيت في العراق بعد العام 2011 لخطر كبير. وبعد أكثر من سبع سنوات على الاحتلال، كان العراقيون أنفسهم مَنْ طلبوا منا الرحيل. كما أن تلك الانتقادات تتجاهل الحقيقة الجليّة بأن أي تدخل عسكري للولايات المتحدة في الصراع السوري الداخلي لن يطفئ لهيب الحرب الدائرة بعنف هناك بقدر ما يمكن أن يصبّ المزيد من الزيت فوق الحرائق المشتعلة في كل أرجاء سوريا.
وكان من المؤكد أن دعم المعارضة السورية بالمزيد من الأسلحة الأميركية سيؤدي إلى زيادة مقابلة في المساعدات الإيرانية والروسية للحكومة السورية الحليفة. وكان من الممكن للتدخل المباشر للولايات المتحدة في سوريا أن يمثّل حافزاً قوياً للمتطرفين للتوافد إليها. يضاف إلى كل ذلك أن أوباما كان يفهم حق الفهم بأن الشعب الأميركي لم يعد يحتمل التورط في حرب جديدة بعد فشله في الحربين السابقتين (في أفغانستان والعراق).
أما الشيء المختلف اليوم، فهو السلوك البشع لتنظيم «داعش» المترافق مع اختراقات ميدانية حققها على أرض المعركة، وقد عزّز الشعور بضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة وفاعلة من الجانب الأميركي. وقد استجاب الرئيس بالفعل لضرورة اتخاذ خطوات جادة لوقف تقدم «داعش» من جهة، وبذل جهود قوية لتشكيل تحالف دولي من الشركاء الراغبين في المساهمة في الحملة العسكرية ضد التنظيم الإرهابي من جهة ثانية. يضاف إلى ذلك السعي لتطوير استراتيجية فاعلة، يمكنها أن تستكمل الهدف الرئيسي في تفكيك «داعش» وتدمير البنية التحتية العسكرية التي يعتمد عليها.
لم يكن المجهود الكبير الذي يتطلبه بناء تحالف دولي يمثل إلا البداية الأولى للعمل باتجاه تحقيق الهدف المذكور. إلا أن تجميع المشاهد المشتتة للصورة حتى يتضح المشهد الحقيقي لهذه المهمة، لن يكون أمراً سهلاً. صحيح أن الغالبية العظمى من دول حلف شمال الأطلسي «الناتو» تتشارك مشاعر التنديد نفسها بسلوك تنظيم «داعش»، إلا أن العديد منها لا يزال أيضاً يشهر مسدسه في وجهه بشيء من الخجل. وتركيا مثلاً التي تتشارك حدودها الجنوبية مع سوريا والعراق، كانت تمثل عوناً لبعض الفصائل المتطرفة التي تتحالف الآن مع «داعش». وباتت تلك الدول المترددة تشعر بأنها مهددة بأخطار هذا المارد الذي ساعدت على خلقه، ولم تبدِ أي مؤشر يوحي بأنها مستعدة للمشاركة في عمل عسكري للسيطرة عليه. وتشعر بعض الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة بأنها مستهدفة في هذا الصراع. وقد أصبحت من الدول التي ينتظر أن تقدم الدعم الفعّال للتحالف، إلا أنها وجهت سؤالاً مهماً حول الاستراتيجية التي يعتمدها هذا التحالف، وطالبت بضمانات للتأكد من المشاركة الفعلية للآخرين فيه.
وماذا عن الاستراتيجية ذاتها؟ لقد عبر تنظيم «داعش» مراراً عن حنقه من الوضع الذي بات عليه أهل السُّنّة من العرب في كل من العراق وسوريا. وعلينا أن ننتبه إلى أن هذا التنظيم يقوم بالاعتداء على الأقليات في سوريا، فيما يعتدي أيضاً على الغالبية في العراق. وفي العراق خصوصاً، يرتبط الشرط الأساسي لدحر «داعش» بإعادة تشكيل نظام الحكم بحيث يضمن المشاركة الحقيقية والكاملة لأهل السنّة. وقد تطلبت الخطوة الأولى لتحقيق هذا الهدف عزل نوري المالكي الذي همّش السنّة العرب وتبنّى أجندة طائفية مذهبية ظالمة. ويعمل خلَفُه حيدر العبادي على تشكيل حكومة شراكة، إلا أن جهوده في هذا الاتجاه لا تبدو كافية. فقد اقتنصت شخصيات ذات توجهات مذهبية الوزارات القيادية والتنفيذية المهمة، وبقيت القوات المسلحة العراقية التي تقاتل «داعش» مؤلفة من الميليشيات الشيعية ذات العلاقة الوثيقة بإيران. وبرزت نتيجة لهذه المشاكل الحقيقة التي تفيد بأن القوة الفعالة الجدية التي تقود الحرب ضد «داعش» هي قوات «البشمركة» الكردية التي يتخوف الكثير من العرب العراقيين أيضاً من طموحاتها التوسعية والانفصالية.
ومع هذه الوقائع القائمة على الأرض، يبدو وكأن العثور على النهج الصحيح لمحاربة «داعش» يشبه في صعوبته عملية إدخال الخيط في ثقب الإبرة. وهو يتطلب قيادة فعالة ومشاركة بعيدة المدى وديبلوماسية مدعومة بكمّ كبير من التخطيط والتفكير السليم.

السابق
بالفيديو: هكذا ينحني الـ IPhone 6
التالي
أنا الفلسطينية كنتُ خائفة من «أساطير» مخيم عين الحلوة