يرحل الطيبون

كلما غادرنا شخصٌ طيبٌ، إلى الرفيق الأعلى، قلنا: “يذهب الملاح”. وسواء أكملنا العبارة هذه التي نكررها منذ عقود، وربما منذ قرون، أم اكتفينا بهذا الشطر، نضمر القول إن العاطلين يبقون.

لا نرثي بذلك الراحل وحده.

نرثي حالنا، ونرثي أيامنا وظروفنا، وربما أعمارنا.

فنحن إذ نقول ذلك، متجاوزين مشيئة الله، ندلل كيف أن حياتنا قاسية صعبة. ونشكو تحكّم الأشرار والطغاة واللامبالين فينا، بحياتنا ومصائرنا. ونوحي، سواء قلنا أم لم نقل، إلى تكاثر السيئين والمزعجين بيننا.

وإذ نردد ذلك، كأن الطيبين وحدهم يرحلون، لا نمتدح الراحل وحسب، ولا نذم الواقع فحسب، ولا ننأى بأنفسنا عن التقييم وإن كان في العبارة ادعاء الانتماء إلى الطيبين، إنما نعبّر عن إحساسنا بالخسارة والتبدّد والهامشية. وكأن في ذلك استسلاماً غير معلن وقبولاً ساكناً للموت والرحيل عن هذا الجحيم. وكأننا نفضفض عن يأس بات عميقاً ووجودياً.

ليس سهلاً ذلك. ليس سهلاً أن نرى الحياة بلا طيبين، وأن نعيشها كأن لا طيبون فيها ونحن في حاجة إليهم.

لكنّ لذلك أسباباً، ليس رحيل الطيبين منها. فنحن في قولنا ذلك عن رحيلهم نجعلهم ضحايا، ضحايا مثلنا. بل نجعلهم علامات لتفريغ الأرض للقساة والسيئين. وننظر إليهم كما لو أنهم اختيروا ليرتاحوا من حياتنا، وكأننا سجناء وهم كانوا معنا وقد حُرِّروا. وماذا نتمنى بعد ذلك؟

السابق
هاني فحص: العمامة الجذّابة… بقلمها
التالي
هاني فحص… هكذا يرحل الكبار