الشمس لا تعيد ذهبها.. يا سيد

أبحث عن دمعة تتسع لكلمة كبيرة، أبحث عن كلمة تتسع لدمعة كبيرة.

الدمع والكلام، يا سيّد، تركاني وحيدًا أسوّر غيابك بما بقي في حديقتي من زهر الصّمت.
يؤلمني ظلّي، يا سيّد، للكآبة يد ليست بريئة من ظلالنا أيضًا.
عبثًا أحاول أن أراك ترابًا. عبثًا أحاول لك من القصيدة كفنًا.
لا أعرف لماذا أراك رجلاً من كلمات… رجلاً يوقّع معاهدة سلام بين عقل الإنسان وقلبه… رجلاً ينثر ذاته بأناقة في وجدان الآخرين…
أعرف تمامًا أن ليس لعمامتك ارتجاف في حضرة الموت. إنّما أنا الذي أخشاه حين يعدّ أصدقائي على أصابعه.
الموت، يا سيّد، حصان وعربة ينطلقان بمشيئتك إلى حيث صاحب السماء يفتح يديه لعناق حميم.
الموت، يا سيّد، ينال منّا بك، فيذبل عندنا منبر البشارة، وتمصّ دم فرحنا أفاعي البشاعات، وتصغر شبابيك الرجاء في دنيانا.
أتموت، يا سيّد، وسفّاحو الأرض يعيشون العمر اثنين؟! أتُنزِل عن ظهرك ترابك، ومهندسو مجاري أنهار الدماء تفيض الحياة من أجسادهم؟!
لقد قلت كلمتك ومشيت. نعم، يا سيّد، إنّ الشمس الأبيّة لا تعيد ذهبها ولا تكرّر ما لها من نور، لكنّ عشّاق كلمتك يطربون حين هي تجدّل شعرها الطويل على بساط صوتك. ومن حقّ هؤلاء أن يسجّلوا على الموت عتبًا قاسيًا. ومن حقّهم أن يحسدوا السماء عليك، السماء التي تصنع فرحها من دموعنا وتبني ثروتها من فقرنا.
نبكي، يا سيّد، لأنّ السماء لا تحتاج إلى ثوّار. فلماذا ترفعك الآن إليها؟! والسماء لا تمدّ يدًا لتشحذ الجمال على رصيفها الأزرق، فلماذا أصرّت على لقاء عمامتك اليوم؟!
مارونيّتي حزينة يا سيّد. مارونيّتي وشيعيّتك امرأتان تتبادلان الدموع تحت قنطرة غيابك.
كنت رائعًا يوم بشّرت بفلسفة التلاقي. وكنت مبدعًا وعادلاً في توزيع الله على الناس بالتساوي. وكنت فارسًا في نزع السيوف من أيدي الآلهة لينجو البشر من لعنة الدماء.
أحبّك، يا هاني فحص، لأنّك تحرّر كلمتك من أسر حنجرتك، وتتبعها، فتدفع ثمنها غاليًا.
أحبّك، يا هاني فحص، لأنّك تعترف بالله مُلكًا عامًا لكلّ أولاده الذين من حقّهم أن يرثوا سماءه.
أحبّك، يا هاني فحص، لأنّك لا تقايض القضايا بالكراسي، وتؤمن بالفكرة تزيّن صدرك، لا الأوسمة.
أحبّك، يا هاني فحص، لأنّ لبنانك يشبه لبناني، ولأنّك تقدّم شجرة الأرز على شجرة العائلة.
أحبّك، يا هاني فحص، لأنّ اللّغة العربيّة تحبّك، وتزور صوتك طمعًا ببعض من جمال لا يصل إلى قفيره إلاّ أنت.
مشَيتَ يـا صديـقي، وربّما بكـيت يا كبـيرُ، ربّما أنزلتَ دموعًا بـلا مـنّة الماء… دموعًا بلا مائـها. إلاّ أنّ كلمـتك نور يعيش بعد غياب شمسه. ونحـن وكلـمتك سنشـرب القهوة صباحًا على شرفة الدنيا، وسنأخذها إلى المنابر التي تؤمن بأنّ الله حريّة وجمال، وبأنّ الأرض حريّة وجمال، بلا قلوب يعطّل خفقانها الحقد، وبلا قطرة دماء.

 

السابق
مانشستر يونايتد في دائرة الخطر!
التالي
كفررمان تعوم على المياه في زمن الشحّ