داعش يعلن النفير العام: نغزوهم ولا يغزونا

في خطاب، هو الأكثر طولاً وخطورة، دعا المتحدث الرسمي باسم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» – «داعش» أبو محمد العدناني، أمس، إلى أوسع استنفار في تاريخ التنظيم، يشمل أي مكان في العالم وأي مقاتل أو نصير أو موحّد استعداداً لمواجهة التحالف الدولي الذي وصفه بـ«الحملة الصليبية الأخيرة»، متوعّداً شعوب الدول الغربية بانتقام «الذئاب المنفردة»، التي حثها على التحرك واستهداف مواطني تلك الشعوب الذين أسماهم بـ«الكفار» أينما كانوا.

ولم يكتف الخطاب بتوجيه الرسائل إلى كل من يعنيه الأمر، سواء من الدول المعادية للتنظيم، أو من الجماعات «الجهادية» التي من المتوقع أن يكون لها دور في الحرب المقبلة، بل كان واضحاً أن الخطاب انطوى على أوامر مباشرة للخلايا المنتشرة في العديد من الدول بالتحرك، حسب الإمكانات، لتشكيل أقوى ضغط ممكن على شعوب الدول التي تحاربه.
وتعكس الانفعالية التي اتسمت بها بعض فقرات الخطاب، الذي نشرته «مؤسسة الفرقان الإعلامية» فجر أمس، حالة القلق التي يعيشها «داعش» إزاء تهديد التحالف الدولي بمحاربته والقضاء عليه. ويعزز من ذلك أن أكثر من ثلث مدة الخطاب (15 دقيقة من أصل 41 دقيقة) جاء لمحاولة تحصين مقاتلي التنظيم المتشدد من تسرّب الخوف إليهم، ورفع معنوياتهم التي يمكن أن تكون تأثرت بضخامة التحالف الذي يجري تشكيله بقيادة الولايات المتحدة.
وفي سبيل ذلك، استحضر العدناني العديد من الحوادث التاريخية التي تروي انتصار المسلمين رغم ضعفهم وقلة عددهم، بل وصل به الأمر إلى وصف ما يمرّ به تنظيمه من محاربة الجميع له، وسخريتهم من «الخلافة» التي أعلنها، بأنه مشابه لما عاشه الرسول محمد من اضطهاد قريش وظلمها له واستهزائها به. لكن، وبالرغم من هذا القلق المكتوم، حاول العدناني الظهور بمظهر الواثق بالنصر، قائلاً إن الحرب مع التحالف ستنتهي إلى إحدى اثنتين، إما النصر أو القتل، معتبراً أن القتل بالنسبة إلى «المجاهدين» نصر، لأنهم يفوزون بالآخرة. غير أن الخطاب كان يتخلى عن مثل هذه الثقة في مواضع عديدة، خصوصاً عندما أقرّ العدناني أن النصر قد لا يكون إلا في جيل الأبناء والأحفاد.
ويبدو أن قيادة «الدولة الإسلامية»، واستشعاراً منها بخطورة ما يجري الإعداد له لمحاربتها من قبل واشنطن وحلفائها، قررت الذهاب بعيداً في توسيع ميدان الحرب وإعلان «النفير العام» على مستوى دول العالم كافة، مهددة باستهداف مواطني الدول الغربية، خصوصاً الأميركيين والفرنسيين، بغض النظر عن كونهم مدنيين أو عسكريين.
وأمر العدناني أنصاره بالاستنفار العام أينما كانوا للدفاع عن «دولتهم»، التي تتعرّض لما أسماها حملة صليبية جديدة، وهو توصيف يتكرر في أدبيات التنظيم الذي يعتاش من الخلافات الطائفية والمذهبية.
وقال العدناني، مخاطباً أنصاره، «يا أيها الموحد في كل مكان (في أميركا وأوروبا واستراليا وكندا، في المغرب والجزائر، في خراسان والقوقاز وإيران) إننا نستنفرك للدفاع عن الدولة الإسلامية، وقد اجتمعت عليها عشرات الدول، وبدأونا بالحرب والعداء على الأصعدة كافة، فقم أيها الموحد ودافع عن دولتك من مكانك حيثما كنت»، واصفاً المعركة التي تخوضها «الدولة» بأنها واحدة من المعارك الفاصلة الحاسمة في تاريخ الإسلام.
ومما له دلالته في هذا السياق أنه تمت مباشرة ترجمة خطاب العدناني مكتوباً إلى ثلاث لغات، هي الانكليزية والفرنسية والعبرية، وهي سابقة من نوعها، خصوصاً أنها سبقت نشره مكتوباً باللغة العربية، الأمر الذي يعكس إرادة التنظيم إيصال أوامر الاستنفار إلى أوسع شريحة ممكنة من أنصاره، حتى من لا يتحدّث اللغة العربية منهم.
وكان العدناني شديد الوضوح عندما وجه أوامر مباشرة إلى مناصريه في كل مكان باستهداف المدنيين والعسكريين من رعايا الدول التي تشارك في التحالف الدولي. حيث قال، محدداً بدقة الأهداف التي ينبغي استهدافها وغايات وأساليب ذلك، «هيا أيها الموحد لا تفوتنك هذه المعركة أينما كنت، عليك بجنود وأنصار الطواغيت وعسكرهم وشرطهم (الشرطة) وعناصر أمنهم ومباحثهم وعملائهم. قضّ مضاجعهم ونغّص عليهم عيشهم واشغلهم بأنفسهم، وإذا قدرت على قتل كافر، أميركي أو أوروبي، وأخصّ منهم الفرنسيين الحاقدين، أو استرالي أو كندي أو غيره من الكفار المحاربين، رعايا الدول التي تحالفت على الدولة الإسلامية، فتوكل على الله، واقتله بأي وسيلة أو طريقة كانت، ولا تشاور أحداً ولا تستفتِ أحداً، سواء كان الكافر مدنياً أو عسكرياً، فهم في الحكم سواء، كلاهما مباح الدم والمال».
وقال لـ «السفير» مصدر مقرب من التنظيم إن ما ورد على لسان العدناني ليس مجرد تحريض عادي، ومن الخطأ فهمه كذلك، لأن الخطاب انطوى بالفعل على أوامر مشفّرة موجّهة بشكل خاص إلى «الذئاب المنفردة»، والخلايا النائمة، بالتحرك كيفياً وضمن إمكاناتها لاستهداف أي مواطن غربي بالخطف أو القتل على نحو يرتجي التنظيم منه تشكيل ضغط على حكومات الدول التي تحاربه.
وقد سبق لـ «السفير»، في تقرير سابق، أن أشارت إلى عودة منتظمة ومدروسة لبعض مقاتلي التنظيم الأجانب إلى بلادهم، في إطار الاستعداد لمواجهة التحالف الدولي، والهدف هو تشكيل خلايا نائمة تتحرك عند صدور الأوامر التي يبدو أنها صدرت بالفعل. وما يؤكد ذلك أن صفحات «داعش» امتلأت فور انتهاء العدناني من خطابه، بمنشورات تحتوي على كيفية صنع القنابل والعبوات الناسفة من مواد بسيطة متوافرة في الأسواق. ونشر أبو مالك شيبة الحمد، أحد منظري التنظيم تغريدات على حسابه على «تويتر»، عن فوائد «الذئاب المنفردة» مؤكداً أن «عملاً عسكرياً واحداً في البلاد التي شاركت بالحلف كفيل بالضغط، وإخراج الدولة من الحلف».
وقبل ذلك شنّ العدناني هجوماً عنيفاً على أميركا ورئيسها باراك أوباما ووزير خارجيتها جون كيري، مستهزئاً من تردد أوباما ومن استراتيجيته التي أعلن عنها، معتبراً أنه «بغل اليهود».
وإذ ذكر العدناني أوباما بما سبق أن قاله له زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي من «أن حرب الوكلاء لن تغنيك في شيء»، أكد أن أميركا ستضطر إلى النزول على الأرض، لأنها لن تستطيع هزيمة «الدولة الإسلامية» من الجو، الأمر الذي أكدته التجارب السابقة، مهدداً، في الوقت ذاته، كل من ينتمي إلى الجيش المزمع تشكيله من قبل واشنطن باستهدافه «ولا يلومنّ إلا نفسه». واعتبر أن هذه ستكون آخر «الحروب الصليبية»، وبعدها «سنغزوهم ولن يغزونا» من دون أن يوضح متى وكيف سيُتاح لتنظيمه تنفيذ هذا التهديد.
وكان لافتاً أن يوجه العدناني رسائل مباشرة إلى بعض التنظيمات «الجهادية» في عدد من الدول العربية، الأمر الذي يمكن تفسيره على أنه تأكيد من التنظيم المتشدد على رغبته في توسيع ميدان الحرب من جهة، وأنه يملك أنصاراً، وربما مبايعين، داخل هذه التنظيمات من جهة ثانية، حيث أثنى على «إخواننا المجاهدين في سيناء الأبية»، داعياً إياهم إلى استهداف الجيش المصري بتفخيخ الطرقات ومهاجمة المقار، واقتحام المنازل وقطع الرؤوس. كما طالب «المجاهدين» في تونس بأن «يحذوا حذو الإخوة في أرض الكنانة»، محرّضاً إياهم على قتال الحكومة التي «حرمتهم من الدعوة ومنعتهم من الهجرة». والجدير بالذكر أن العديد من قيادات «أنصار الشريعة في تونس» سبق وبايعت «داعش»، كما وردت خلال الأيام الماضية أنباء عن مبايعة «كتيبة عقبة بن نافع» له، ما يشير إلى وجود نفوذ لـ «داعش» بين التنظيمات «الجهادية» التونسية.
ونصح «الموحدين في ليبيا بالتوحّد ونبذ الفرقة»، مشيراً إلى أنه «آن لهم أن يعرفوا مَن معهم ومَن ضدهم»، في تحريض واضح لهم على ترك تنظيم «القاعدة» ومبايعة «الدولة الإسلامية»، مستغلاً انتقادات «القاعدة» لبعض الفصائل الليبية التي تشابه انتقاداتها لتنظيمه.
كما وجه انتقاداً غير مباشر إلى تنظيم «القاعدة في اليمن»، لأن الحوثيين تمكنوا من السيطرة على العاصمة صنعاء من دون أن «تشوي جلودهم المفخخات وتقطع أوصالهم الأحزمة والعبوات»، في تلميح منه إلى تقاعس «القاعدة»، وعدم قدرتها أو رغبتها في الدفاع عن المسلمين، مؤكداً أن مَن يتولى عن هذه المهمة يستبدل الله به غيره. ومن المعروف أن بعض قادة «أنصار الشريعة في اليمن»، وعلى رأسهم الشيخ مأمون حاتم، بايعوا «الدولة الإسلامية».
ودان العدناني السعودية التي انضمت إلى التحالف، لكن كان غريباً في سياق هذه الرسائل الكثيرة أن يتجاهل العدناني كلاً من الأردن ولبنان، حيث لم يتطرّق إليهما بأي كلمة.

السابق
مدارس إقليم التفاح: اللغة الأجنبية غول
التالي
جنبلاط مع المقايضة ونصرالله مع التسوية… والحكومة تشترط