ميزانية كلها مخاوف

 

التسوية على طريقة مباي التي تم التوصل إليها بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير المالية يائير لبيد، هي خطوة متوقعة تستند إلى مبدأ: كل واحد منا ينال شيئا ما يمكنه التلويح به أمام الجمهور، ولا أحد يخضع الآخر.
لقد نال نتنياهو زيادة في مـيزانية الدفـاع لعام 2015 «بمليارات كثيرة». 6 مليارات شيكل فورا، وبعدها من يعلم كم مليـارا آخر ستـضخ خلال العام. التجربة الماضية تعلمنا أن ميزانية الدفاع دوما أكبر من الميزانية المقررة. لكن نتنياهو يبيع اليوم فقط بضـاعة واحدة ـ الأمن – ومن ناحيته هذا إنجاز شعبي. أما لبيد فإنه ينال موافقة رئيس الحكومة على طفله المدلل ـ صفر ضريبة قيمة مضـافة في سوق الشقق السكنية، وقدرته على الوفـاء بوعـده بألا تزداد الضرائب. والرجلان يخرجان مخلصين، دؤوبين ويعملان لـحل مشـاكل هامة في نظرهما، في الأمن وفي الشقق. هل صدقتم؟
هناك سبيل آخر لرؤية ذلك. يمكن تسمية ذلك الجبن. الخطوات التي أقدم عليها نتنياهو ولبيد تعبر عن الخوف. وليس فيها أي جرأة عامة. خذوا مثلا الأمن. لنفترض أن نتنياهو مقتنع بوجوب زيادة ميزانية الدفاع. هل هذا منطقي أن يزيد ميزانية المؤسسة الأشد تكلفة في إسرائيل من دون أن يطلب منها شيئا؟ من دون إصلاحات في القوى البشرية؟ في تعويضات التقاعد الدسمة؟ كان بوسع نتنياهو أن يعلن أن الميزانية معدة لأهداف محددة (لنفترض، تشخيص الأنفاق)، ولكنه يتوقع من الجيش أن يتخذ تغييرات دراماتيكية في إدارة قواه البشرية. أين اختفى شعار: «يعطون فيأخذون، لا يعطون فلا يأخذون؟» لقد زرعت عملية الجرف الصامد بذور الخوف الكبير في ديوان رئاسة الحكومة. خوف من فقدان الحكم، من قلة القدرة على هزيمة تنظيم إرهابي صغير، من عدم الهدوء داخل حزبه، ومن فقدان حليفه الأساسي، موشي يعلون. ويدفع نتنياهو كفارة عن هذه المخاوف بمليارات كثيرة.
وماذا عن لبيد؟ لقد فهمنا أنه عازم على انتهاج صفر ضريبة مضافة. لكنه هو أيضا فهم أن سوق الشقق السكنية يتأثر بالكثير من الاعتبارات، وأن الوضع يتطلب خطوات لتقليص حملة الطلب المتوقعة بعد إقرار القانون وتحت غطاء الأموال السهلة التي سيوفرها بنك إسرائيل. فلماذا لا يتخذ خطوات مكملة في مجال الضريبة الذي سيقمع قسما من الطلب؟ لماذا لا يقدم إعفاء للدخل من إيجار الشقة حتى 5000 شيكل، في وقت تضمحل فيه آفاق الاستثمار البديلة؟
كما أن لبيد خائف. فهو خائف من ناخبيه، وهو خائف أن يغدو الرجل السيئ، وهو خائف أن يخل بالوعود التي قطعها على نفسه. وهو في الأساس خائف من الصدام مع المجموعات القوية. وهو لا شأن له بهذا الأمر. ومخاوف الرجلين تدفعهما نحو أنهما بدلا من أن يتصارعا مع الحاجة لتمويل نفقات أمنية باهظة التكلفة بشكل كبير، إلى دحرجة المشكلة نحو المستقبل ويزيدان العجز نحو 10 مليارات شيكل.
ونتنياهو ولبيد يشعران بالخيبة مرة أخرى عندما لا يضعان إلى جانب الميزانية الجديدة أيضا أهدافا اقتصادية لتشجيع النمو، مثل إصلاح في القطاع العام والقطاع التجاري، ومعالجة حقيقية لرأس المال الأسود، وإلغاء الاعفاءات والامتيازات التي تسبب خلق رأس المال الأسود (مثلا في الفاكهة والخضروات وفي سوق الشقق السكنية). فقد ضيع نتنياهو ولبيد قدرتهـما عـلى معركـة دارت بينهما وكانت نتائجهـا معروفة سلـفا، وأعطـيا انطباعا بأنه بعد صيف دام وبعد عدة أسابيع من شد الأعصاب بسبب ميزانية العام 2015، لم تتبق لديهما القوة لتطوير الاقتصاد الإسرائيلي وللمواجهة مع القضايا التي تستحق ذلك.

 

السابق
الجيش لا يحسب للمال حساباً
التالي
’نظرية الألعاب’ وتطبيقاتها في الحرب على ’داعش’