جنبلاط يواجه طائفته: الفتنة تحرقنا أولاً

هكذا هو النائب وليد جنبلاط. كلما استشعر خطراً على الوحدة الوطنية أو على مصالح طائفته تخلى عن حذره ونزل إلى الأرض. كأي زعيم، يعرف جنبلاط تأثيره على جمهوره وتأثير ما يقوله عليهم. كلمته نادراً ما تصير اثنتين في البلدات والمناطق الدرزية. وعليه، لم يجد بداً من الانتقال إلى «المناطق الحساسة» في حاصبيا وراشيا والعرقوب حيث الحدود مع سوريا وحربها المستمرة منذ ثلاث سنوات ونيف. تأجل اللقاء أسبوعاً لكنه حصل.
هي خطوة أخرى على الطريق التي رسمها جنبلاط لنفسه منذ استشعر الخطر على طائفته، شأنها شأن كل الأقليات في المنطقة. صار أكثر دقة في السياسة وفي المواقف. يجتهد لإبراز اعتداله وبراءته من كل المحاور. موقف مع هذا وموقف مع ذاك. هذا الواقع لا يحرج الزعيم الدرزي طالما أنه مقتنع أنه بذلك يحمي السلم الأهلي وجماعته في آن معا.
حادثة عين عطا في راشيا، التي وقعت منذ نحو شهر، أقلقت وليد جنبلاط وكانت بمثابة جرس الإنذار له. لم يكن من الممكن السكوت عن مهاجمة شبان من البلدة سيارة «فان» بداخلها عدد من الشبان السوريين الداخلين إلى لبنان عبر أحد المعابر غير الشرعية. أسفر الحادث عن قتيل وجريحين، وتوتر وإشكالات بين عين عطا والرفيد، بلدة سائق «الفان». في زمن «داعش» والصراع المذهبي المحتدم في المنطقة لا يمكن أن تصرف هذه الحادثة إلا بوصفها حادثة بين السنة والدروز، يخشى أن تتوسع انعكاساتها في أكثر من بلدة.
استنفر وليد جنبلاط، وفعّل جولاته الباحثة عن شبكة أمان داخلية عنوانها دعم المؤسسات وتحديداً الجيش والابتعاد عن السجالات السياسية، والأهم تنظيم الخلاف بين اللبنانيين، خاصة أن الخطر داهم عليهم.
برزت خطوات جنبلاط بأكثر من مبادرة ولقاء، فلم يتردد في زيارة العماد ميشال عون والرئيس أمين الجميل، وبالتوازي، كان منهمكاً بترتيب البيت الداخلي منفتحاً على كل القيادات الدرزية وآخرها لقاؤه أمس فيصل الداود، كما لم يفته الاتصال بأنور الخليل، خلال زيارته إلى حاصبيا، فضلا عن تواصله الدائم مع طلال ارسلان ووئام وهاب.
في كل محطة من جولته في العرقوب وراشيا وصولاً إلى أزهر البقاع في مجدل عنجر، كان هاجس الزعيم الدرزي واحداً: نبذ الفتنة وتخفيف التشنج مع السنة، على خلفية حالات العداء التي تظهر في أكثر من منطقة ضد النازحين السوريين.
ليست حادثة عين عطا هي الإشارة الوحيدة وإن كانت الأخطر. استبقها بالطلب من وزير الداخلية تعزيز الشرطة البلدية في المنطقة عددا وعتادا. صار مسموحا لكل بلدية بنحو عشرين عنصر شرطة.
ولأن جنبلاط لم يكن مستعداً لسماع خبر جديد على شاكلة حادثة عين عطا، أقرن مساعيه السياسية بمساع مع الجمهور. خاطبه مباشرة. حذره من اللعب بالنار، دعاه إلى التمييز بين النازح والإرهابي، إن كان لبنانياً أو سورياً.
في المناطق الحدودية جنوباً، يصير التحذير مضاعفاً، خاصة أن المقلب الآخر من الحدود لا يختلف ديموغرافياً عن المقلب اللبناني. التداخل بين قرى سفحيْ جبل الشيخ يتخطى المذهب الواحد ليصل إلى العائلة الواحدة، فكما بيت جن ومزرعتها ترتبطان بعلاقات أسرية مع قرى العرقوب وخاصة شبعا، كذلك عرنة وحضر ترتبطان بعلاقات أسرية متينة مع قرى حاصبيا وراشيا. عليه، وبالرغم من الجهود التي تبذل في المصالحات هناك، تبقى الخشية موجودة من أي توتر ستنتقل شرارته حكماً إلى لبنان.
سعى جنبلاط من شبعا إلى تعزيز أواصر التلاقي مع قيادات الطائفة السنية، كما بدا أن التيارات والشخصيات الفاعلة في المنطقة من «المستقبل» إلى «الجماعة الإسلامية» والتيار السلفي إلى النائب قاسم هاشم.. جاهزة لملاقاة جنبلاط في وسط الطريق.
وبحسب فعاليات المنطقة، يبدو أن اللقاء الجامع أعطى رسالة واضحة إلى كل من يهمه الأمر أن المنطقة ليست أرضاً خصبة لأية أفكار متطرفة، ولن تكون كذلك. والرسالة نفسها أعيد التأكيد عليها من حاصبيا بحضور كل الأطراف من «8 و14 آذار»، ولاسيما حزب الله الذي كان ممثلاً بالنائب علي فياض.
في صيدا، كانت النائبة بهية الحريري تمد جنبلاط بمزيد من الطمأنينة. أعلنت، بحضور فعاليات العرقوب، السعي لعقد اجتماعات مع «الحزب التقدمي الاشتراكي» لوضع «خارطة طريق» من أجل تفادي الوقوع بأي منزلق يؤدي إلى فتنة سنية درزية. كما أعلنت أن هذه الخطوة منسقة مع الرئيس سعد الحريري.
وقبل أن يستقل جنبلاط سيارته مغادراً خلوات البياضة، بدا مطمئناً إلى التنسيق الذي يجريه المشايخ مع فعاليات المنطقة لمنع أي توتر. بدا سعيداً ومطمئناً إلى حد قوله في حاصبيا أنه جاء ليطّلع لا ليطمئن، مضيفاً أنتم تطمئنون بعضكم البعض. مع ذلك، غادر واثقاً أن قرى العرقوب وشبعا لن تكون عرسال ثانية.
الهاجس الأقلوي عند الدروز لا يستثني وليد جنبلاط. شبكة الحماية التي يسعى إليها متداخلة بشكل كبير بين الاقتصادي والسياسي والأهلي والحزبي والعسكري. حادثة عين عطا وما تبعها على سبيل المثال، لم يتعاط معها كحادثة انتهت، إنما أراد أن يبني عليها للمستقبل. أكثر من التذكير بها كي تكون عبرة. يفضل جنبلاط أن لا يفكر باحتمال تكرارها. ذلك سيكون كفتح أبواب جهنم. استعداء البيئة السنية للدروز في لبنان قد يتصاعد عندها. تلك البيئة التي تغذي الاشتراكيين سياسياً وتسمح لهم بالحفاظ على كتلتهم النيابية، فالمقعد الدرزي في بيروت محكوم سنياً وكذلك مقعد راشيا، والأهم مقاعد الشوف.
أكثر من ذلك، فالعداء للنازحين السوريين يمكن أن يكون له أبعاد اقتصادية خطيرة. ما تزال قضية طرد اللبنانيين الشيعة من الخليج حاضرة أمامه. وعليه، يخشى جنبلاط أن يؤدي تطور الأمور إلى غضب سعودي ـ خليجي يؤثر على استثمارات أبناء الطائفة.
وصل إلى مسامع وليد جنبلاط أن التسلح في القرى الحدودية يزداد باضطراد. تخطى الأمر التسلح القديم والمضبوط للاشتراكيين. القلق والخوف جعلا الجميع يتجه إلى شراء السلاح. لم يقتصر ذلك على طائفة محددة، كما أن الحرس الشعبي الذي ينتشر في معظم القرى تحول إلى أمر واقع. ذلك جعل الزعيم الاشتراكي بما يملك من حذر وقلق من انفلات الأمور، إلى التأكيد في كل محطة زارها أن الحماية لا يؤمنها سوى الجيش اللبناني، رافضاً كل مساعي الأمن الذاتي و«دورياته»!
أنهى جنبلاط مهمته ـ جولته التي استمرت يومين. تنفس الصعداء إلى أنها نجحت شعبياً. لم يبق أمامه سوى التركيز على المساعي السياسية. ما يزال يعتقد أن العقدة الأولى لشبكة الأمان لا يمكن أن تخاط إلا بيدي السيد حسن نصرالله والرئيس سعد الحريري.

السابق
فتفت: الاجواء ايجابية لعقد جلسة تشريعية
التالي
السنة الدراسية في عرسال «مهددة»

تابعوا اهم اخبارنا على تطبيق الوتساب

يقدّم موقع جنوبية مواضيع خاصّة وحصرية، تتضمن صوراً ووثائق وأخباراً من مصادر موثوقة ومتنوّعة تتراوح بين السياسة والمجتمع والاقتصاد والأمن والفن والترفيه والثقافة.

مجموعة جنوبية على الوتساب