لا حَلّ لبنانيّاً قبل اكتمال نِصاب التسوية العراقيّة

سيبقى التحالف الإقليمي ـ الدولي ضدّ «داعش» وأخواتها، حديث كلّ الأوساط والأنديَة والمحافل في لبنان والمنطقة والعالم إلى فترة غير مُحدّدة، وَسط تناقُض في التكهّنات حول ما يُمكن أن يؤدّي إليه هذا التحالف على مُستوى مستقبل الأزمات الإقليميّة والعلاقات الدوليّة.

يتوقّف سياسيّ مُتابع لمجرَيات الأوضاع في لبنان والمنطقة عندَ استهداف التكفيريّين الجيش اللبناني في جرود عرسال مجدّداً، فيرى أنّ الوضع هناك محكوم بسقفَين: سقف الدولة و«حزب الله» الراغبَان في ضبطه، وسقف التكفيريّين الراغبين في بقاء عرسال مدىً حيويّاً لهم. وبين هاتين الرغبتَين، ستستمرّ «الأزمة العرساليّة»، إذا جاز التعبير، لكنّها لن تكبُر.

وينطلق هذا السياسيّ من واقعة عرسال، ليعتبر أنّ الكلام عن أنّ التحالف الإقليمي – الدولي لشَنّ حرب على «داعش» غير ذي نفع، ولن يُحقّق أهدافه المعلنة، هو كلام غير دقيق، وأنّ الكلام في المقابل عن أنّ هذا التحالف سيحكم المنطقة بذريعة القضاء على «داعش» خاطئٌ أيضاً، بل إنّ الصحيح هو أنّ هذا التحالف يُنبئ بمرحلة جديدة في تاريخ المنطقة، فهو لن يَسود ببساطة وسهولة، وفي الوقت نفسه، لن تزول العقبات من أمامه في سهولة أيضاً، وهي عقبات إقليميّة ودوليّة وميدانيّة.

ويضيف هذا السياسيّ في هذا السياق أنّ مرتبة العمل العسكري مُتدنّية لجهة تحقيق المعالجة السريعة للوضع الميداني، فيما ترى دول وقوى في المنطقة أنّها مستهدفة بهذا التحالف بمقدار استهدافه «داعش»، ومِن هذه القوى النظام السوريّ والجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة اللذان يعتبران أنفُسهما أنّهما مُستهدفان لجهة موقعهما في المُعادلة الإقليميّة والدوليّة.

وإذ يؤكّد هذا السياسي أنّ الدخول الأميركي على الخَطّ العسكري والسياسي في المنطقة لن يكون مأموناً أو مضمون النتائج، فإنّه يعتقد في المُقابل أنّ حديث إعلام المحور السوري – الإيراني عَن أنّ هذا التحالف بلا قيمة عمليّة، ليسَ دقيقاً، وأنّ حديث الإعلام الغربي عَن أنّ هذا التحالف «سيُخلّص» المنطقة من أزماتها هو حديث خاطئ.

ويرى أنّ المنطقة تقف في هذا التحالف أمام مرحلة جديدة تحول دون نفاذ الطرف الغربي إلى حقائق سياسيّة وعسكريّة واضحة. فصحيح أنّ التحالف يُعلن أنّه يستهدف «داعش» وكلّ القوى التكفيريّة الشبيهة بها، لكنّه لن يكون، أو لن يبقى طليقَ التصرّف في شؤون المنطقة طويلاً.

ماذا عن لبنان في هذا السياق؟

يُجيب السياسيّ إيّاه، أنّ السقف الذي ذهب به لبنان إلى اجتماع جدّة، حيث أُعلِنَت ولادة التحالف الإقليمي – الدولي، هو سَقف تمَّ التفاهم عليه قُبيل توجّه وزير الخارجيّة جبران باسيل إلى هذا الاجتماع. لكنَّ «خروج» باسيل «بعض الشيء» عَن النصّ أثار بعض الإشكالات والالتباسات التي قيلَ إنّها ذُلّلت في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، باتّفاق على عدم إلزام التحالف للبنان بأيّ شروط أو خطوات تزيد تداعيات الأزمة السوريّة عليه.

ويعتقد السياسيّ نفسه أنّ الأزمة اللبنانية لن تبدأ بالانفراج إلّا بعدَ اكتمال نصاب التسوية في العراق، وجلوس الجانبَين السعودي والإيراني الى طاولة التفاوض الفعليّ على مُستقبل العلاقات الثنائيّة خصوصاً والعلاقات الإيرانيّة – الخليجيّة عموماً، علماً أنّ هناك اقتناعاً لدى كثيرين بأنّ الملفّ اللبناني لن يُحسَم بكامله قبلَ حسم الملفّ السوري، ولكن قد يتمّ تيسير تفاهم على انتخاب رئيس جمهوريّة جديد من ضمن تسوية مرحليّة يواكبها استمرار الحوار السعودي – الإيراني والإقليمي – الدولي للوصول في النهاية إلى الحلول الشاملة.

وطبعاً، فإنّ الرئيس العتيد الذي يُمكن أن يُتَّفَق عليه سيُشبه التسوية الموعودة، بحيث يكون مقبولاً لدى الجميع ولا يستفزّ أحداً في الداخل. وتتردّد في بعض الأوساط الديبوماسيّة والسياسيّة، معلومات تحتاج إلى تدقيق، تُفيد أنّ هناك بحثاً بين بعض الأطراف الإقليميّة والدوليّة عَن رئيس يرضى عنه رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون في الدرجة الأولى وكذلك يقبل به الآخرون، علماً أنّ عون ما زال مُتمسّكاً حتّى الآن بترشيحه، فيما حُلفاؤه متضامنون معه في المطلق، لكن ليس واضحاً ما إذا كان هذا التضامن تأييداً ثابتاً لترشيحه أو تأييداً للمرشّح الذي يُمكن أن يُسمّيه هو بدلاً منه أو يُسَمّى له ويرضى عنه.

وعلى الصعيد العراقيّ، وفيما اعتُبرت التسوية التي أنتجت رئيس جمهورية جديداً وحكومة جديدة برئاسة حيدر العبادي خلفاً لنوري المالكي، أحدَ عناوين تسوية كُبرى يعمل على إنجازها خطوةً خطوة لمعالجة كلّ أزمات المنطقة، فإنّ التطوّر الإيجابي الذي بدأت تشهده العلاقة السعوديّة – العراقيّة منذ اجتماع جدّة، من شأنه المُساعدة على تقدُّم العلاقة السعوديّة – الإيرانيّة بمزيد من الخطوات إلى الأمام.

وفي هذا الإطار، يؤكّد ديبلوماسيّون في بيروت، أنّ اجتماعاتٍ ستُعقَد بين رئيسَي الديبلوماسيّة السعوديّة والإيرانيّة الأمير سعود الفيصل ومحمّد جواد ظريف في نيويورك، حيث ستنطلق بعد أيّام أعمال الدورة السنويّة للجمعيّة العموميّة للامم المتّحدة، وسيُمهّدان من خلالها، على الأرجح، لحصول لقاءات على مُستوى القمّة بين الجانبَين في الرياض أو طهران في خلال الشهر المقبل، إذ إنّ لقاءات كهذه من شأنها فَتح أبواب التسويات لأزمات إقليميّة كثيرة وتبريد بؤر التوتّر في المنطقة.

السابق
العدو ليس «داعش» … بل مناهج التعليم!
التالي
هيفا لطليقها: شو خصك