أسرار الأسرار

أسرار الصحف
ينشر موقع جنوبية مقالا نقديا ساخرا اجتماعيا وسياسيا يكتبه الشيخ بلال موّاس، من وحي يومياتنا والأمور الّتي تصادفنا يومياً، ولها علاقة بالنسيج اللبناني الاجتماعي. والمقال هذا الأسبوع عن "أسرار الصحف".

من أخطر وأدق وأصعب وأهم وأصدق وأفخم فقرات الصحف ما يُعرف بأسرار الصحف. نعم، أسراااااااااار الصحف. فلكل صحيفة أسرارها، ولكل الأسرار أخبارها. وتختلف هذه الأسرار من صحيفة لأخرى، وتتنوع الأخبار حسب انتماء السر المرتبط به.

بمجرد أن تتلقف الأيادي نسخة من تلك الصحف، تتطاير أوراقها تقلباً ومداورة للوصول إلى تلك الزاوية، زاوية الأسرار… بحثاً عن سر طازج، يكشف ما وراء الأكمة، وما تحت البحار، سر يقلب كل المعايير، سر… سر بنا نحو تلك الأسرار لبرهة من الزمن، وإذا بالسر الكبير والكلام الخطير تراه ربما لا يناسب عنوان الفقرة المحشو أسفل منها.

فالسر المنتظر قد يكون أقرب إلى زاوية أبراج الصباح، بل ربما لو وُضع في صفحة التسالي فيكون مناسباً أكثر لزاوية إحزر واربح ، أو لعله يتطابق مع المسابقات التي تعرض على الفضائيات، من وضع صورة لأحمد زكي، مع حذف عيونه فقط ويأتي من يتصل ليقول أنها صورة عبلة كامل!
فالسر، يسمّى سر لأنه غير منشور أو غير معروف ، وبالتالي إذا تجاوز الإثنين لم يعد سراً، وأصل هذه الفقرة، هو كشف الأسرار للعموم، بأي وسيلة من وسائل النشر، فلا حاجة لأي صحيفة أن تواري أو تستخدم أسلوب التلميح عندما تقرر أن تورد خبراً من الأخبار على أنها تكشف سراً.
فالصيغة الوحيدة المقبولة في هذا الإطار، أن تكتب الصحيفة أن فلان الفلاني قرر أن يفعل كذا وكذا وكذا أو ما شابه، بالإسم الصريح والفعل الأصرح، وإلا فلم يعد يسمى “سر” بل بات أقرباً إلى نوع من الأحجية.

وإليكم أمثلة عن نماذج من الأسرار التي قد نراها : مثلاً ، في سر اليوم، وبعد أن يكون أوباما مثلا قد ألقى خطاب ما، يكون السر على الشكل التالي: “تتخوّف جهات ما من آثار خطاب محدد ألقاه رئيس دولة عالمية كبرى، أسمراني من أصل إفريقي لأب مسلم وأم مسيحية، من مواليد 4 آب عام 1961 لديه ابنتان الأولى تدعى ماليا والثانية ناتاشا ويتكلم الإنجليزية” فهذا سر. وأرجو ألا تخبروا به أحد، لأن أجهزة الاستخبارات الأمريكية سي آي إيه وأجهزة الإستخبارات الروسية “كي جي بي” وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الموساد وأجهزة الاستخبارات العربية “دوم تي تاك” جنّدت كل طاقاتها للكشف عن شخصية هذا الرئيس ومن يكون؟

هناك نوع آخر من الأسرار، نوع يناسب ليلى عبد اللطيف أو ميشال حايك وكل من يظهره التحقيق شريكاً ومشابهاً ومقلداً لهما، ولا بد أن إدارة الصحيفة تتّخذ في هذه الأحوال دور المراسل الخطير أو المحقق “كونان” في اكتشاف الأسرار القاتلة، فيكون السر: “ترى أوساط متابعة أن لبنان قد يشهد في الفترة القادمة وفاة أحد الشخصيات السياسية والأنظار تتجه إلى أحد أفراد أسرته ليكمل المسيرة”.

له !!!! … يا رجل … قل غير ذلك … أستحلفك بالله، أخبرني … فعلاً ستموت إحدى الشخصيات؟؟ عنجد؟ وحتى إن ماتت، كم هي عظيمة حجم مصادرك التي استطاعت الحصول على معلومة أن أحد أفراد أسرته ستتابع المسيرة.

حسناً، بغض النظر عن نوع المسيرة التي سيتابعها، وإن كانت مسيرة الاستيلاء على مفاصل الحكم أو مسيرة النهب والسرقة أو مسيرة العطاء السياسي، بغض النظر عن كل هذا، ألا ترى معي أن هذه الخطوة قد تهدّد الاستقرار والنعيم والرغد السياسي الذي نعيشه بأن يبدأ نظامنا يميل إلى التوريث السياسي غير الموجود إطلاقا بتاتا قطعا في لبنان؟

وأيضاً هناك نوع من الأسرار يسمى بالسر البديهي، وسأسوق لكم مثالاً عنه، فهو ليس بحاجة إلى شرح: “علمت مصادرنا أن بعض النواب الحاليين سيعيدون ترشحهم، بينما سيعزف البعض منهم عن الترشح. وهنا لا يمكن التعليق سوى بكلمتي “قول والله”!
وهناك نوع أخير من الأسرار “السر المزدوج” الذي يستخدمه صاحبه لينطبق على نصف البشرية، مثل: “فاجأ أحد النواب زملاءه خلال اجتماع لكتلتهم النيابية بالقول بتعرفلك شي محل بيأجر موتوسيكلات؟”. فإذا كان المجلس النيابي 128 نائب، وأحد النواب فاجأ أحد زملائه، بالتالي لدينا 8128 فرضية ممكن أن نبحث فيها، ممكن أن نبدأ بحسابها… وإلا ما بيظبط معنا “حال البلد”.

السابق
«المشي بين القبور» في الصالات بالتزامن مع «مواهب بيروت»
التالي
مجازر إسرائيل في صبرا وشاتيلا ركيكة مقارنة بمجازر الأسد