وداعاً أيها الصديق الحبيب

في الحديث عن السيد هاني فحص، ونحن نودّعه، تواجهني صعوبة كبرى. مصدر الصعوبة هو أنني لا أكاد أصدّق أنه لم يعد قادراً على استقبالي كما كنا نفعل على امتداد عقدين من الزمن في مكتبه وحول كتبه ومكتبته الغنية. كنا في تلك اللقاءات نتجاذب الأحاديث في كل الشؤون من دون استثناء. شؤون الدين والدنيا، وشؤون الأدب والفكر والسياسة. السيد هاني لا يختصر بكونه رجل دين مثل سائر رجال الدين.

كلا، فهو رجل دين من نوع مختلف، وقرناؤه قليلون في ما يشبه الندرة. ذلك أن السيد هاني كان رجل دين بالمعنى الأصلي والحقيقي لصفة رجل الدين. كان شديد الحرص، على امتداد حياته، بعد عودته من النجف فقيهاً وأديباً. كان حريصاً على التزام القيم الإنسانية الكبرى التي تشترك فيها العقيدة الدينية مع الفكر العلماني. القيم الإنسانية هي واحدة أياً كانت المرجعيات التي تتحدّث عنها وتدعو إلى التزامها. كان السيد هاني مفكراً في الدرجة الأولى، ومن هذا الموقع كرجل دين مفكر وصاحب قيم، دخل إلى السياسة من الباب الواسع، ومارسها كما ينبغي أن تمارس. مارسها باعتبارها في أساسها تقوم على الدفاع عن الإنسان وعن حقوقه وحريته وحقه في الحياة. منذ بدايات عودته من النجف، كان مناضلاً إلى جانب الفلاحين والمزارعين، مدافعاً عن حقوقهم. وكان في الآن ذاته، يمارس عملاً وطنياً لبنانياً وعربياً في الدفاع عن الشعب الفلسطيني إلى جانب مقاومته، ومدافعاً عن استقلال لبنان وسيادته وحريته. وظل يمارس هذين الحقلين في العمل السياسي حتى آخر لحظة من حياته. وتشهد على ذلك كتاباته التي كانت تمتلئ بها وسائل الإعلام اللبنانية والعربية المرئية والمسموعة والمكتوبة. وكانت لديه الجرأة في قول ما كان يعتقد به من دون أن يحسب أي حساب لما يمكن أن تتركه آراؤه ومواقفه لدى من يطلعون عليها، ولا سيما من الذين لا يشاركونه فيها، بل يختلفون معه حولها. هكذا عرفت السيد هاني فحص على امتداد أربعين عاماً ونيّف، وبهذه المعرفة أجدني اليوم أشعر بشيء من اليتم، إذ أفارق صديقاً وأخاً، شريكاً لي من موقعينا المختلفين في همومنا المتصلة بغد أفضل لوطننا، وللشعب الفلسطيني ولسائر بلدان وطننا العربي مشرقاً ومغرباً. وداعاً أيها الصديق الحبيب، لكنه وداع لن يدعك تغادرني، فسوف تظل رفيقاً لي في الذاكرة ما دمتُ حياً.

السابق
الثنائية الشيعيّة ’لا تنعى’ العلامة هاني فحص!
التالي
عن ’ماضٍ لا يمضي’