هاني فحص: السيّد المشاكس

قليلة هي الشخصيات الشيعية القادرة على التعبير عن معارضتها لـ”حزب الله” ولحربه في سوريا، والأقل منها هي تلك التي تصل أصواتها إلى الناس. والسيّد هاني فحص هو إحدى هذه الشخصيات النادرة.

في هذه اللحظات الصعبة، لا يسعنا سوى التفكير في مدى تميّز هذا الرجل وفرادته، وقدرته الاستثنائية على إنقاذ الطائفة الشيعية من قدرها المحتوم. ولعلّ كان يعيد إحياء الأمل الذي نحن بأمس الحاجة اليه.

شخصية فريدة

على الرغم من مواقفه الأخيرة المعارضة لـ”حزب الله”، فإنّ التاريخ السياسي لهذا الرجل لا تشوبه شائبة، وعليه فإنّه يحظى بمصداقية كبيرة جداً لدى الشيعة. ويعتبره العديد من اللبنانيين والعرب كفرصة لخلاص شيعة لبنان. فهو لطالما شجّع الشيعة على الانخراط في المجتمعات العربية التي يعيشون فيها، بدلاً من أن يعتبروا أنفسهم إيرانيين خارج بلادهم.

عام 2012، أصدر فحص بياناً مع السيّد محمد حسن الأمين، يدعو فيه شيعة لبنان إلى دعم الثورة الشعبية في الجارة سوريا. “ندعو شيعة لبنان إلى دعم الثورات العربية… لا سيما الثورة السورية التي بإذن الله سوف تنتصر… من بين العوامل التي تضمن لنا مستقبلاً جيداً في لبنان هو أن تكون سوريا مستقرة، حرة، تحكمها دولة ديمقراطية، عصرية وتقبل التعددية”، كما جاء في البيان.

وبسبب تاريخه ومواقفه المتعددة دعماً للشعب الفلسطيني وللثورة البحرينية، لم يأخذ “حزب الله” دعوته تلك باستخفاف. وهكذا شنّ عليه إعلام “حزب الله” وصحفه حرباً شعواء؛ فبدأ كتّاب الأخبار، ولا سيما مدير تحريرها ابراهيم الأمين حملة إعلامية هدفت إلى تدمير مصداقية فحص، لعلمه علم اليقين بالاحترام والإجلال الذي يكنّه الشيعة للسيّد. فهم لا يتحملون وجود أصوات مثل صوت فحص. وهكذا دعوه بالشيعي الوهابي، وبالخائن، وربما بالعميل الأميركي.

ولكن فحص لم يتوقّف. واستمر هذا الكاتب الرائع ذو الأسلوب الشعري بالكتابة والنشر، أينما كان بإمكانه الوصول إلى آذان صاغية. والحملة ضدّه هي كذلك بالطبع لم تتوقّف. ولكن فحص صمد في وجه كل ذلك لأن نزاهته، ورصانته، وعزمه لا يمكن زعزعتها.

حتى جدتي التي ترى حسن نصرالله إلهاً، والتي تعتبر أي انتقاد لـ “حزب الله” مسألة تمسها شخصياً، لا يسعها سوى الحديث باحترام ما إن يُذكر اسم فحص. فهو فريد في هذا الاحترام البسيط الذي يكنّه له الناس البسطاء.

من الصعب جداً أن نجد شخصية بارزة تدعم علناً الثورتين السورية والبحرينية على حدٍ سواء. والأصعب من ذلك إيجاد شخص ينتقد علناً “حزب الله”، ويحظى في الوقت نفسه بمكانة كبيرة في أوساط معظم الشيعة. ومن النادر جداً لقاء شخص لديه هذه الهالة الدينية وهو في الوقت نفسه علماني ويدعو غالباً إلى فصل الدين عن الدولة. فحص هو كل ذلك وأكثر.

على الجبهة السورية

اليوم نحن في أمس الحاجة إلى فحص. فهو الشخصية الشيعية الدينية الوحيدة التي فتحت علاقة طيبة ومستمرة مع المعارضة السورية.

مهما كان ما يحدث في سوريا، فإنّ الصدع بين السنّة والشيعة في كل من سوريا ولبنان من الصعب رأبه. حيث إنّ المنطقة يسيطر عليها السنّة من الناحية الديمغرافية وشيعة لبنان سوف يدركون هذا الأمر بطريقة أو بأخرى.

سوف يدركون بأنّ “حزب الله” أحرق كل الجسور وعزل الطائفة بأكملها عن محيطها، متضرعين لله بأن يبقى بشار الأسد في السلطة وبأن تحقق الولايات المتحدة أمنيات إيران في المنطقة.

وفي حين يخسر “حزب الله” المزيد من الموارد والمقاتلين أكثر من أي مرة سابقة، ليس هناك أي ضمانات لانتصار إيران في سوريا. هكذا سوف يكتشف الشيعة رويداً رويداً الحقيقة المرّة بأنهم لن يصلوا إلى أي نصر الهي  وبأنّ حياة أبنائهم بُذلت من دون طائل.

ووسط هذا الضياع والعجز تأتي أهمية شخص مثل هاني فحص، شكّل الصلة الرئيسة بين طهران والمعارضة السورية خلال صفقة تبادل السجين الإيراني، وفقاً لمصادر مقربة من المعارضة. لقد كان هو الشخصية الوحيدة التي يمكن للجانبين الاطمئنان إليها.

وهو لطالما كان من تلك القلّة القادرة على إعادة بناء الجسور بين الشيعة والسنّة بعد ان دمّرها “حزب الله”. بالإضافة إلى ذلك، وبينما كان قادراً حتى على مساعدة “حزب الله” لإنقاذ نفسه وطائفته من الأزمة التي يواجهونها في سوريا ولبنان، يُعتبر فحص الشخصية الشيعية الوحيدة التي لا تزال منفتحة على الحوار، حتى مع من يعاملونه كعدوأو خائن. وبذلك يكون “حزب الله” قد خسر آخر فرصة له لخلاص نفسه.

مهما كان ما يجري في سوريا، سوف يكون الحوار ضرورياً في وقتٍ ما. ولعلّ هاني فحص- الذي كان رائداً في إدارة الحوار المسلم- المسيحي في لبنان ما بعد الحرب هو الشخص المثالي للقيام بهذه المهمة المعقدة.

قبل أن يُنقل إلى المستشفى كتب فحص رسالة مفتوحة طويلة إلى “حزب الله” ذكر فيها كل مخاوفه وهواجسه، وآماله بالتغيير وخيبات أمله. قال كل ما يريد واستسلم للنوم.

نحن اليوم بحاجة إلى هاني فحص أكثر من أي وقتٍ مضى. فلنأمل بأن لا يخسر لبنان وشيعته هذه الفرصة النادرة للعودة من ضياعهما. إن رسالته دعوة مفتوحة لكم: اقرأوها وأعيدوا النظر قبل أن لا ينفعكم الندم.

السابق
سلام نعى فحص: قدم الحوار الهادىء بديلا عن الجدل الصاخب
التالي
اخطاء شائعة تشوه مظهر الرجل في نظر المرأة