لم أتعظ منك يا سيد

ها أنت نعوة في شريط الأخبار. لماذا لا تعمم أفكار الكبار مثلك، في شريط الأخبار، مثل موتهم؟ ولماذا عليَّ أن أصدق الآن أنك ترحل وكل هذه القلوب انتظرتك في ردهة المشفى؟ لم أكن أريد أن أصدق يا سيد أنك أنت الذي منحتنا ما يعيننا من أسباب الحياة، رهينة لدى أجهزة إنعاش. ما كان لي طاقة أن أجلس عاجزاً لأشاهدك هناك.

«أحب خليل.. لكنه يخاصمني». كثيراً ما كانت تصلني هذه العبارة نقلا عنك. وكنت ابتسم لأنني أعرف أنك كنت تشاكس كعادتك، ولأنك تدرك أنني لم أخاصمك يوماً. منحتني ما يكفي لأبقي على حبي لك. هل تذكر؟ منذ عشرين سنة، كنا سوية في كفرتبنيت؟ في الحسينية؟ هل تذكر، عندما داهمنا رصاص الاحتلال ليلاً وانقطعت الإضاءة، وهتفت في الظلام الدامس أول ما هتفت تسأل عني مطمئناً: «وين خليل؟». كان زيد، ابنك الغالي، هناك وكان أصدقاؤك ومحبوك ومريدوك حولك. وأنت لما شعرت بقلق على سلامة أي منا، قلت بعفوية «وين خليل؟». فمن أين سأختلق خصومة معك!
لكن من أنت؟ ما عرفت أن أصفك يوماً. أب محاجج أنت. يجادل بالعقل والشعر والتاريخ.. والأجمل.. بقلب طيب، فلا تعرف طريقك الى الغلبة عليه. ثم تحبه. منذ عشرين سنة أحبك يا سيد، ولو اختلفنا، والاختلاف كان متعتك واحترافك. في جبشيت أول ما تعارفنا، ظننتني كابنك. كنت تقطع قراءاتك وكتاباتك التي لا تتوقف، اذا ما زرتك. تشاكس اولا، ثم تنفتح الطرق أمام كل الكلام. من أخبار ضيعتنا وماضيها وحاضرنا .. الى فلسطين التي في قلبك دوماً. ثم تقفز الى التاريخ. دررٌ كلامك. كلما استمعنا اليك، ازددنا عمقاً وانبهاراً. شقية هذه الحياة، مثل قلمك وقلبك. لم تقل لي لماذا يرحل الأحبة حينما تحتاجهم. وقد رميتني منذ البداية بكلمة: «إبقِ على أحلامك..وخفف من المثالية فيها». كأنك تركتني مثلك، حائراً. ولم اتعظ منك يا سيد.

السابق
رجل عاش بيننا
التالي
رجل الحوار والاختلاف الجميل