لبنان يحزن لفقدانك

لا راد لقضاء الله، ولكن القلب يحزن والعين تدمع..

خسرنا الصوت الذي كان يبعث فينا الأمل، وفي لحظة الضيق الشديد كان يرسم لنا صورة القادم المشرق.

نحزن لرحيل السيد، كيف لا وهو رمز الكلمة الجامعة والموحدة، الناظرة دوما في المشتركات، المتألمة دوما من استحكام الغرائز والمصالح الضيقة في مجرى الحياة العامة.

نفتقد مع السيد صوت العقل الذي يقارب الأشياء بحكمة لا بحزم، بشفقة لا بقسوة، بدراية وعمق لا بخطابة مبتذلة، بأدب يلامس الروح لا بجدل منفر يريد أن يهزمك.

عاش السيد عابراً لكل خاص، من دون أن يترك خاصه أو يهجره. فخاصه كان جواز عبوره إلى الآخرين، وحاضره حنين متدفق لأمكنته الحميمة، ومستقبله عودة لأطياف الروح قبل أن تدنسها شهوة الاستحواذ.

نفتقد حميمية السيد هاني مع الجميع، فعلاقاته خالية من الحسابات. فالسيد ينتزع منك دوما فضيلة المبادرة نحوك ولا يثقلك بأسئلته سوى ما يطمئنه منها أنك على خير.

يصل إليك السيد هاني بأقل الكلام وأبلغه، وينقلك رغماً عنك إلى عالمه الشعري، يرسم لوحاته، يدخلك بشغف إلى ذكرياته المغمسة بتراب الحقل الندي، يسرد لك بانتشاء تجربة الفلاحة وأيام الفقر التي رافقتها، كأنها لحظات نعيم، واختبارات روحية حركتها فيه أسرار الأرض وتعاقب الحياة والموت في ترتبها.

أيام فلسطين عنده ليست شيئاً اكتسبها أو صنعها، بل خلقت معه واندمجت بسجيته من قبل أن يولد. عاش السيد لفلسطين، كان في قلب قضيتها، حمل وجعها في قلبه، لم يفارقها ولم تفارقه. أعطته فلسطين هوية فلسطينية، لا منحة منها، بل عشقاً منها لأبنائها الخلص.

النجف عنده ليلة أندلسية يغني سحرها وبريقها، ونسائم وجدانية ينتشي بإرثها وتاريخها. لم تكن النجف عنده مجرد حوزة أو حلقات بحث، ولم تكن سبيلاً لحسم جدل الفرقة الناجية. فالناس جميعهم عند السيد ناجون مؤمنون طيبون، حتى لو كان ظاهر بعضهم خلاف ذلك.

أما لبنان، فكان آخره وأوله، بدايته ومنتهاه، حلمه المتحقق والآت معاً. كان لكل لبنان، حتى سارعت كل طائفة فيه تدعيه لنفسها. حبه لكل اللبنانيين أثار حنق الكثيرين الذين أرادوا تقطيع أوصال لبنان وتحويله جزراً مختنقة بدخان حقدها.

حمل السيد عِمَّتَهُ الهاشمية، اندفع بدم عَلَوي، وشفقة محمدية، ونبرة مسيحية، ليقول أفضل الناس عند الله أفضلهم لخلقه كل خلقه.

السابق
متفهم لخصوصية الطوائف
التالي
السيّد.. النجفيّ المتحرّر