قبل.. وبعد الرحيل

لا أدري لماذا أكتب عن السيد هاني فحص وهو رجل كان في مكانٍ بعيد عنّي في السياسة والموقف والشأن العام، حتى أنني كنت أشعر ببعض الاستفزاز وأحياناً الاشمئزاز من بعض لقاءاته ومواقفه وكلماته، رغم أنّني لا أعرف الكراهية والحقد حيث تخلّيتُ عنهما منذ انتسابي الروحي إلى مدرسة الحب التي بناها المقدّس السيد محمد حسين فضل الله ..

وعلى قاعدة «اذكروا محاسن موتاكم»، وفي لحظة الفراق الأليمة التي تهدم الحواجز والجدران، وتبني جسور الوصل والإلفة، وإنْ بعد فوات الأوان، حيث أنّ من رحل قد رحل فلن ينفعك في الوصول إليه هدم جدار أو بناء جسر .. غير أنّ وصولك للفكر والعقل وملامستك بقع الضوء الكثيرة في الواقع تجعلك أقرب الى الراحل وتولّد في نفسك حالةً شعوريّة هي مزيجٌ بين الحب والتقدير والأسى والشعور بالخسارة.
على هذه القاعدة انهارتْ أمام ناظريّ الحواجز والجدران، وامتدّت الجسور تحمل إلى عقلي وقلبي فكر السيّد هاني فحص وانفتاحه ورقيّه وحضاريّته وغناه .. فوجدتُني أمام رجلٍ غير الذي عرفته في حياته!
وجدت نفسي أمام قامة علميّة وثقافية جميلة تحمل في حناياها الكثير من الحب والأُنس والعقلانيّة والمنطق.
وجدت نفسي أمام طلّة بهيّة، ولسان عذبٍ تسيل منه أروع الكلمات، وتعشقه الحروف، وتنحدر منه أترف المعاني…
وجدت نفسي أمام ومضة تنشد النور لمن حولها تسعى جاهدةً للتلاقي ورفعة الإنسان.
وجدت نفسي أمام رجلٍ يحمل بين منكبيه عقلاً راجحاً، وفي صدره قلباً حانياً، وبين أنامله يراعاً يخطّ به الحقيقة التي يراها والحقّ الذي يؤمن به.
وجدت نفسي أمام رجلٍ لم أعرفه كفايةً حتى أحبّه في حياته، لكنّني سأحبّه كفايةً حتى أعرفه بعد مماته.

السابق
عملاق متواضع
التالي
المسلم المسيحي العلماني