سيّد الحوار

أعلن السيد هاني فحص رفضه العيش في الغيبوبة، فأطفأ مصباحه ورحل.

فكيف يمكن للسيد ان يرضى بالغيبوبة الجسدية، وهو الذي أمضى عمره متمردا على الغيبوبة الوطنية والسياسية والقومية.

غيبوبة الاستسلام للتعصب والجهل والفساد والهزيمة والقمع وثقافة الإلغاء والتطرف.

يستحيل لهاني فحص ان يعيش في الجمود، في الصمت، في التوقف عن تشغيل العقل وإنتاج الأفكار والأحلام … فأطفا مصباحه ورحل .

هو ليس مجرد رجل دين او صاحب عمامة سوداء، وما اكثر العمامات التي تخفي تحتها هذه الأيام، عقول الشياطين وإبداعاتهم في حياكة الشر.

هو جبة وعمامة نجفية وعاملية من عجينة مميزة، سبرت أغوارها من أعماق سيرة مترامية القيم، تعرضت لموجات متلاطمة من الافتراء والتشويه والتخريب والإفساد الاجتماعي والفكري، عاش هاني فحص كي يكون لها بالمرصاد .

عندما نتحدث عن رجال دين استثنائيين في حياة لبنان، والطائفة الشيعية تحديدا، يسقط اسم هاني فحص تلقائيا على لائحة الصف الاول. ليس بصفته من كبار المجتهدين والمبرزين في مجال الشرع والإفتاء، ولا حتى بصفته من المتقدمين في مجال القيادة الروحية والخلط المتداول بين العمامة والسياسة.

هو استثنائي بقوة الزي، الذي يرفض ان يتخذ من الاسلام وسيلة للابتزاز السياسي والاصطفاف المذهبي وإعلاء منطق التعصب على حساب الولاء الوطني.

هو استثنائي بالقدرة على رفض الذوبان في الأسمنت الثقافي الذي استجد على بيئته وبني قومه، وإنشأ لنفسه ولمن معه، رصيفا ثقافيا وإنسانيا خاصا، يحاكي منه جميع اللبنانيين بلغة «أهل البيت» وليس بلغة بيوت المذاهب.

هو استثنائي في إتقان العلاقة مع الاخر، وإصراره على ان يكون مؤسسة حوار وطني قائمة بذاتها، يعتلي المنابر من كل الألوان والأطياف، دون ان يسفك أفكاره في مناجاة رضاها.

هو استثنائي لانه سني بامتياز في حضور الشيعة، وشيعي بجلباب الحسين في بيوت أهل السنة، ومسيحي يحمل رسالة لبنان في صفوف المسلمين، ومسلم يريد لشجرة المسيح ان تبقى متجذرة في تراب الشرق.

هاني فحص؛ عمامة سوداء، مطرزة بين النجف والقدس وجبل عامل بروح «أهل البيت»، أقامت تحتها فكرة طيبة اسمها السيد.

في وداعك نعلن تنكيس الأقلام . وداعا سيد الحوار والعيش المشترك.

السابق
الخليج: ’داعش’ مقابل إيران!
التالي
متفهم لخصوصية الطوائف