سياسي مناضل بلباس رجل دين

كان السيد هاني أفضل أصدقائي وأحسنهم، كان يتفاعل معي وأتفاعل معه من خلال كل التجارب التي مررنا بها في سبعينات القرن الماضي وحتى الآن. تجاربي السياسية والثقافية والإصلاحية والتجديدية والعصرية، لأنه كان رجل حوار وتجديد واستخلاص الدروس والعبر من التجارب نفسها. لم يكن رجل دين بالمعنى الضيق لرجل الدين، بل كان إصلاحياً ومتطوراً هكذا عرفته في السنوات السابقة وفي كل التجارب التي مررنا بها، وأهم ميزة من ميزاته أنه لا يتمسك برأيه تمسكاً حرفياً وكاملاً بل كان يقول «إني أسمع وأرى وبالسمع والرؤية والواقع أمامك نستخلص الرأي والدروس والآراء والأفكار».

توطدت علاقتي به في عام 1986 خلال مشاركتنا في ندوة حول «تجديد العمل السياسي في لبنان»، وقلت فيها رأيي بأنه يجب فصل رجال الدين عن الدولة، وبعد الانتهاء من الندوة، تقدم مني قائلاً «أنا رجل دين كيف تفصلني عن السياسة»، فأجبته «بل أنت رجل سياسي مناضل ديموقراطي مجدد وعصري وحواري تلبس لباس رجل الدين، ولكنك لست جامداً وتلعب دور رجال الدين الديموقراطي المجدد والعصري، أنت كعلي شريعتي في إيران وعبد الرحمن الكواكبي في بلاد الشام ومحمد عبده في مصر، أنت لم تستعمل الآراء ولباس رجال الدين لتُقدس، بل لتتناسب مع المصلحة الوطنية وللتجديد الدائم في الآراء والتفكير»، فضحك وقال «إنك تمدحني أكثر من اللازم»، فأجبت «لا أمدحك بل أعرفك من داخلك وخارجك».

كان هاني فحص رحمه الله من هؤلاء الإصلاحيين والديموقراطيين، وقد انتقل من تجربة لأخرى من خلال نقد ما كان موجوداً أمامه والأفكار المتنورة، هكذا يكون المناضل الحقيقي يراجع تجاربه وتفكيره ومن هنا لاحظنا في السنوات الأخيرة أنه كان رجل الحوار الدائم بين كل أطياف المجتمع اللبناني، ومن نخبه الحقيقية الديموقراطية والمثقفة التي تعترف بالآخر، وكان هو يعترف بالآخر وبالرأي المخالف له وقد سمعت منه مرة مباشرة يقول «كم نحن اللبنانيين مختلفين في الآراء والتكوين لكن الحوار هو أساس وطنيتنا اللبنانية».

وقد كتبت مرة مقالاً قلت فيه إني أؤيد قول الإمام الشافعي «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب»، وحين رآني بعد ذلك قال لي «أنا أيضاً مع هذا الكلام»، وأنا أقول الآن إن هاني فحص كان إماماً من طينة الإمام الشافعي نفسها.

لم يترك هاني فحص أي حزب أو فصيل أو تجمع إلا وحاوره وناقش وتفاعل، وكان على أرض الواقع اللبناني في صفوف هذه النخبة الوطنية ذات الأبعاد الديموقراطية والتوحيدية، التي تسعى دائماً إلى التقدم من دون جمود ولا تأخر. هذا هو هاني فحص نودعه ولكنه لا ينسى وسنظل نذكره كل يوم في حواراته معنا وفي أيامه وتجاربه وتجاربنا. هاني فحص رجل دين متفرد في أسلوبه وفي طريقة حواره ونقاشه ولا يشعرك يوماً أنه يجابهك أو يخالفك الرأي بالمعنى السطحي، كان يقول هذا رأيك وسنظل نتحاور حتى نعرف بعضنا أكثر فأكثر. لا نودعك يا سيد هاني فأنت باقٍ باقٍ باقٍ.

 

السابق
سيرة السيّد هاني بخط يده
التالي
السيد