رجل إيمان وحب ونضال

قبل شهرين طلب مني الأخ والصديق السيد هاني فحص أن أكتب كلمة عنه. لم أعرف لماذا، ولم أسأله. كتبت الكلمة وأرسلتها إليه. بعد ساعة أو أقل، اتصل بي وكاد الدمع يخنق كلماته: لقد غمرتني بحب أرجو أن أستحقه.

بعد ذلك دخل المستشفى فعدته مراراً قبل العملية الجراحية وبعدها. وتحدثت إليه بالهاتف مراراً إلى أن غاب عن السمع.. والآن غاب عن البصر.. ليبقى بتراثه الفكري والأدبي وبنضاله الوطني وبسماحته الدينية ملء السمع والبصر..
أما الكلمة فهي:
قبل الكتابة عن السيد هاني فحص لا بد من الإقرار بأنني لم أكتب قبل اليوم عن أي شخصية فكرية أو أدبية أو دينية أو حتى سياسية. أود أن اعترف بأنني لا أملك هذه الموهبة. تزداد الصعوبة عندما يتعلق الأمر بشخصية كالسيد هاني، متعددة الكفاءات والاختصاصات والاهتمامات.
ان سيداً معمماً يلفُّ في ثنايا عمته السوداء هموم العلاقـات الإسلامية ـ الإسلامية، وهموم العلاقات المسيحية ـ الإسلامية، وهموم العلاقات العربية ـ العربية، وهموم العلاقات العربية ـ الإيرانية.. وحتى هموم ومعاناة مزارعي التبغ في الجنوب اللبناني.. ان سيداً هذه بعض دوائر همومه، يشكل الهم خبزه وزيته وزيتونه.
ولا تقتصر الصعوبة في الكتابة عنه، إنما تصل الصعوبة إلى كيفية الكتابة عنه. فالرجل ابن مدرسة النجف الأشرف، فقيه أصيل ولغوي عميق، يحفظ الشعر ويقرضه.
ثم انه إنسان شفاف ورقيق، صادق المشاعر، إيثاري من الطراز الأول.
يرتفع بعمته وعلمه وثقافته كالطود الشامخ.. إلا انه يذوب بسرعة وينهمر دموعاً لدى مواجهته مشكلة إنسانية لا يملك القدرة على حلها أو على مساعدة أصحابها.
انتقل في نضالاته الوطنية من شتلة التبغ.. إلى أرز لبنان وما يرمز إليه. وانتقل في نضالاته القومية من المخيمات الفلسطينية في لبنان إلى المنابر الدولية وما تحفل به.
يقول في قم ما يقوله في مكة المكرمة، ويقول في النجف ما يقوله في قم. ويردد في باريس ولندن وروما ما يردده في بيروت وعمان والرياض.. لم يكن يوماً في ذلك كله لسان غيره.. بل صدى ضميره.
يأسر مستمعيه بجمال نصه، وعمق معانيه ونبل أهدافه. فتتزاحم عليه منابر الأندية والمؤتمرات.. وتتلقف كتاباته الصحف والمجلات.
ولعل كتبه هي أصدق من يتحدث عنه. صحيح انه لا يتحدث فيها عن نفسه، إلا انها تكشف ما في نفسه، وتعريه أمام القارئ.. رجل إيمان وحب ونضال.

السابق
أفقد الصبر واختار الرحيل؟
التالي
حالم دائم يبحث عن وطن