السيد الذي يصالحك مع فكرة «رجل الدين»

 

للسيد هاني فحص مكانة خاصة جداً في قلبي وفي نفسي وفي تجربتي الشخصية. تعرفت عليه بعد عودتي من دراستي في بلجيكا في منتصف السبعينيات وفي إطار النضال الفلسطيني اللبناني.
لكن مكانته الخاصة لا تنبع من هنا، من النضال أو المقاومة او مساندة الحق. بل إنها تنبع من مكان قصي جداً في القلب وفي الروح. ذلك أني قبل أن أعرفه، لم أكن على وفاق مع فكرة أو دور رجل الدين الذي حملت لي تجربتي مع أحدهم معاني سلبية. صورة رجل الدين قبل هاني فحص كانت صورة جامدة لشخص مهدّد، قامع ومخيف يرتدي ملابس مختلفة ويريد تطويعنا على الشكل الذي يرغبه من دون مسوّغ منطقي. وجدت لاحقاً شبيهاً له في الأدب على صورة راسبوتين الهائل المخيف. كانت هذه الصورة تتلاءم مع خيالي وتريحني من تعب محاولة التقرب منهم.
لكن أن أتعرف على شخص بمثل دماثة ولطف وإنسانية هاني فحص مع شغفه بالحياة وحسه الفكاهي وعمقه الفكري قلب نظرتي وجعلني استلطف هذا النموذج وأعي خطأ التعميم. هذا مع وعيي الأكيد من انه سيظل من ضمن الندرة التي أتمنى ان تتوسع وتنتشر وتشكل مثالاً أعلى لأجيال قادمة على صورته ومثاله.
نتحدث عن العنصرية وعن التحيز وعن رفض الآخر لأنه ليس على صورتنا ومثالنا.. ألا تندرج ممارسات بعض رجال الدين تحت هذه العناوين عندما ينصِّبون أنفسهم أنصاف آلهة علينا يريدون قولبتنا على مزاجهم وصورتهم؟ ونكتب ان «الاعتراف بالآخر» بما هو عليه هو الجواب على معضلة الانسانية وعلى معضلاتنا الطائفية والمذهبية وجميع الدواعش المختبئة في قلوبنا.
هذا ما فعله السيد هاني معي بالفطرة ومن دون تنظير ولا دروس في الفلسفة أو أي شيء آخر؛ مع السيد هاني اكتشفت أنني مقبولة، أي معترفٌ بي بما أنا عليه وبما أمثّله بملابسي وهيئتي وسلوكي من دون آراء مسبقة ومن دون إرادة في تغييري على أي صعيد. وهذا ليس بقليل. هذا كل ما يطالب به الكائن الانساني كي يعيش بسلام مع نفسه ومع الآخر.
الاكتشاف الآخر هو الحرية التي يتمتع بها السيد، فمعه تمتلك حريتك المطلقة في نقاش أي موضوع وهو يستمع اليك بشغف، فهو إنسان أولاً وليس دوراً ووظيفة جامدين. الحرية في أن تتحدث (كامرأة أيضاً وأيضاً) مع رجل الدين هذا في جميع المواضيع من دون تكلف او تحريم.
حتى أنني كنت أشعر احياناً وفي لحظات هاربة انه يغبطنا على حريتنا بسبب بعض القيود التي يفرضها عليه الدور الذي اختاره لنفسه.
هاني فحص ناديته «مولاي السيد» وأنا سعيدة لأنني أعرف انه لن يستغل صفته تلك، أي ولايته علينا، بأي طريقة سلبية أو فوقية وأنه لن يستغل «قداسة» لقبه ودوره المفترضيْن اللذين يصفعنا بهما رجال الدين عادة، إلا كما افترض ان يتعامل أي مسؤول أو أستاذ جامعي مع وظيفته: أي للصالح العام ولصالح من يهتم بهم ويرعاهم وليس لأي غرض آخر. ومثل هذا السلوك ينفي القداسة أصلاً ويجعلنا بشراً متساوين.
سيد هاني، تعجلت الرحيل، تركتنا باكراً، باكراً جداً..
سيد هاني، ستلقى وجه ربك حاملاً هموم الوطن وهموم اسرتك الصغيرة وهمومنا جميعاً فاطلب منه أنه آن الأوان كي يرأف بنا.
إحمل لنا سلاماً للشيخ محمد مهدي شمس الدين وللسيد محمد حسين فضل الله.. غبتم تباعاً في أشد الأوقات احتياجاً لكم.

السابق
حدثٌ وطني وعربي وإسلامي
التالي
عملاق متواضع