هاني فحص… هكذا يرحل الكبار

في آخر اتصال هاتفي لي مع العلامة السيد هاني فحص لترتيب حلقة إذاعية تضيء على حياته وإنجازاته قبل نحو تسعة أشهر، جاء ردّه واضحا ومهذبًا وأنيقًا على صورة عمامته العابقة بالفكر النيّر والانفتاح الزاهر بمعاني العيش والتلاقي، عبارة مختصرة قالها لي السيد متسللا بدفء صوته الى مسمعي والى حاسة إصغائي لهذه الحالة الفكرية الفريدة، ولتلك القامة الوطنية التي حملت كل الوطن على متن القلم والموقف والمنبر.

في آخر اتصال هاتفي لي مع العلامة السيد هاني فحص لترتيب حلقة إذاعية تضيء على حياته وإنجازاته قبل نحو تسعة أشهر، جاء ردّه واضحا ومهذبًا وأنيقًا على صورة عمامته العابقة بالفكر النيّر والانفتاح الزاهر بمعاني العيش والتلاقي، عبارة مختصرة قالها لي السيد متسللا بدفء صوته الى مسمعي والى حاسة إصغائي لهذه الحالة الفكرية الفريدة، ولتلك القامة الوطنية التي حملت كل الوطن على متن القلم والموقف والمنبر.

“ما في شي خرج ينحكى”، هكذا ردّ السيد آنذاك مدركا ومؤمنا ربّما بأن أي رسالة تعايش وانفتاح يمكن إرسالها في زمن الغليان والطائفية المقيتة، لن تعدو كونها مجرّد خبر عابر لن ينجح في حجز أي مكان له بين بحور الأخبار السياسية المغمسة بتلوينة المذهب وهواجس الطائفة، هكذا ردّ السيد مُرسلاً صورة أعمق عن تواضع العلماء الأقحاح الذين يفضلون غصة الصمت على التواجد في كادر واحد مع من لا يفقه التعايش إلا مفهوما غب الطلب لزوم الخطابات الإنشائية، ومع من لا يعرف معاني الانفتاح إلا مجرد صورة فوتوغرافية جذابة لعمامات من كل الألوان.

في صوته كما في كتاباته، تسلّق السيد تفاصيل الوطن الوعرة، فوصل بذات الصورة المُحببة الى كل التلاوين والأطياف، حتى من خالفوه الرأي الموقف لم يستطيعوا إلا الانحناء لكلماته ومواقفه التي أحرجت الجميع في أحلك الظروف بقناعة وجود كوّة النور، وبأنها حية ترزق وإن على جدار الاستبداد السياسي والطائفي والمذهبي، وهنا تستحضرني كلماته يوم أدار الندوات والمحاضرات والفعاليات المُقامة على هامش افتتاح مسجد محمد الأمين في وسط العاصمة بيروت، يومها قدّم المتحدثين بأدب سياسي وفكري خالص لا يشبه ولا يقرب كل الأدبيات الملوثة التي نعيشها حاضرًا.

ليس الشيعة وحدهم من خسروا العلامة السيد هاني فحص، بل الوطن التائق الى كسر الاصطفافات والمتاريس الطائفية والسياسية المظلمة، والتي انبعث فكر العلامة الراحل منها منارة مشرقة أضاءت ظلمات الجهل بنبع لا ينضب من الأخلاق والقيم.

لن يمضي وقت كبير، لنعرف جميعا حجم الخسارة التي ألمّت بساحتنا الوطنية برحيل العلامة السيد هاني فحص، لن يمضي وقت كبير، ليقدّر كلٌّ منا أن قلعة من قلاع الوحدة هوت في لبنان وأن جسرا من جسور التعايش فيه انكسر، وأن صوتا من أصوات الاعتدال غاب، لتُفتح صفحةٌ جديدة ستكون حتمًا صعبة من دون العلامة الراحل.

هكذا هم الكبار دوما، وهكذا يرحلون !

السابق
وفاة اطفال سوريين اثر تلقيحهم بلقاح تركي ضد الحصبة
التالي
الشباب اليساري العربي أحيا ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا: تأكيد خط المقاومة