هاني فحص أنتَ لستَ مقطوعاً من شجرة!

صديقي ومولايَ، هاني فحص، لن يستفيق من غفوته. هذا ما قاله لنا الأصدقاء والأهل والأحبّة والأطبّاء قبل قليل.

للألم الفاجع أن يفتح نهراً غائراً، في عزّ الحاجة إلى الأنهر التي تدمل، لا إلى الأنهر التي تنكأ.
غيابكَ نهرٌ ينكأ، يا سيّد، ولا يدمل. وهو ينكأني شخصياً، مثلما ينكأ الكثيرين غيري، من أهل الأسئلة والهجس النقدي، ممّن لا ينصاعون إلى اليقين المسبق، وممّن يخرجون على إطلاقية الرأي الواحد، في كلّ مكان وزمان.
هل أسمح لنفسي بالقول إنكَ، يا صديقي ومولايَ، آثرتَ ربما، عن سابق تصوّر وتصميم، أن تبقى هناك؟!
ليس لي أن أجزم، حاشا، وقد أكون فظّاً إذا قلتُ شيئاً كهذا، من شأنه أن يسيء إلى مبدأ الأمل الجامح، الذي لطالما أشعرْتنا، أيها الرجلُ الكبير، بأنه غير قابل للترويض لديكَ، ولا للاستسلام.
لكنّ الأمل هذا، الذي لطالما جسّدْتَه أيها السيّد، بعنفوانكَ الكتابي والعقلي والمنهجي، والإيماني بالطبع، ينام الآن نومته الغفيرة، شأنه شأن القلوب والأرواح المعطوبة بطعناتٍ، كتلك التي تُصاب بها الأحلامُ عندما تؤوب إلى خساراتها الكبيرة.
أنتَ، يا صديقي ومولايَ، تغفو الآن عميقاً، على ابتسامٍ خافتٍ وضئيل؛ أنتَ الذي لم تكن سعيداً جداً في هذا الهنا، على رغم ابتساماتكَ الجمّة، ونظراتكَ ذات العزم النبيل، ومبادراتكَ العقلية، حين لم يترك لكَ هذا الهنا، خبزاً – ولا حتى يابساً – تُسكِت به جوع الأمل إلى ضوءٍ ما، في غمرة الظلمة الفكرية والعقلية والدينية والسياسية والمجتمعية التي راحت تلقي بأثقالها على حياتنا في لبنان وسائر المشرق.
هل أغبطكَ لأنكَ انتقلتَ إلى الهناك، حيث الرقدة التي تحول دون الألم اليائس، اللايُحتمَل، الذي هنا؟!
وإذا تجرّأتُ واغتبطتُ، فماذا أقول لأهلكَ ومريديكَ؟
وماذا أقول للنجفيين، وللعامليين، الذين رأوا فيكَ، وفي رفاقكَ المتنوّرين من الأئمة والسيّاد والمشايخ الأجلاء، ومن العلمانيين المدنيين، ما لم يروه في ممسكي الزمام، وفي أصحاب الأمر الواقع؟
وماذا أقول للعقل الذي فتّحتَ، يا صديقي ومولايَ، الأسئلةَ عليه، والنقاشَ، والجدالَ، والرأي السديد، البعيد الغور، المتواضع، المتنوّع، كما التألق الأدبي الفذّ، والحكمة الهانئة بسؤددها التأويلي، وخصوصاً عندما ادلهمّت الرؤية، واستبدّ الرأي الواحد الأحد، وعندما تراجعت أقوال العقل والتعدّد في ظهرانيه، وظهرانينا؟
غيابكَ نهرٌ أليم، وينكأ، يا سيّد. لكن النهر الأليم هذا، من شأنه أن يحفر عميقاً، وأن يتسرّب إلى طبقاتٍ لا تزال دفينةً ومجهولةً وعطشى، لا بدّ أن تؤتى الضوء الذي يجعلها ماءً شافياً للعقل اللبناني والعربي المريض.
يا سيّدي ويا مولايّ، ثمة مَن يتألم حقاً لغيابكَ هنا، من غير أهلكَ ومريديك الأقربين.
أنتَ لستَ مقطوعاً من شجرة يا سيّد.
فنم هنيئاً، على أمل نبوغ الحرية والسؤال والتعدد والرحابة في ربوعنا اللبنانية والعربية!

السابق
وصول جنبلاط إلى بكفيا للقاء الجميّل
التالي
زهرا: هاجس الفراغ وراء اطلاق مبادرة 14 اذار