الطريق.. إلى الحرب الأهلية

اللبنانيون في العراء، فمن يدافع عنهم ويدفع عنهم الخوف الحقيقي؟ حظهم في لحظات الخطر، أن يحملوا السلاح للدفاع عن «أنفسهم»، من خنادقهم الطائفية المزمنة، التي تجد أساساً لها من خلال عقيدة «لبنان الملجأ».

الحرب اللبنانية التي انتهت بـ«اتفاق الطائف»، خاضتها الميليشيات اللبنانية، على مدى خمسة عشر عاماً، انطلاقاً من حجة «الدفاع عن النفس». الجيش لا يصلح للاستعمال الداخلي، لهشاشة بنيته الوطنية ولتأثيرات النزاعات الطائفية على وحدته. جرت العادة على تحييده، خوفاً عليه، فيما اللبنانيون يدفعون ثمن تحييده وأثمان الميليشيات المتقاتلة بأجساد اللبنانيين وممتلكاتهم وأرواحهم.
بعد الحرب الأهلية ـ الإقليمية ـ الدولية، اتفق «قادة لبنان» و«قادة ميليشياته» على إلقاء السلاح، وتسليم إمرة الأمن للجيش اللبناني الذي أعيد بناؤه، ليكون حارساً للسلم الأهلي، غير أن ذلك لم يحدث. استظل اللبناني، غصباً عنه أو برضاه، مظلة الأمن السوري، بكلفة باهظة جداً، حيث تحوَّل لبنان كله، إلى حظيرة أمنية ـ سياسية، تحتمي فيها قيادات وأحزاب وطوائف.
دولة الطائف العتيدة، لم تنشأ، قادة الميليشيات، أوكلت إليهم مهمة بناء الدولة، المفترض ان تؤمن لشعبها الحماية، بقواها العسكرية والأمنية، ومؤسساتها القضائية والقانونية. كل ما نص عليه اتفاق الطائف أهملت ونسيت ودبست، واكتفت الطبقة السياسية بإنجاز التعديلات الدستورية فقط وما يستتبعها من تدابير سياسية مجوَّفة من أي نظام قيمي، أخلاقي ووطني.
وها هم اللبنانيون اليوم في العراء. الوحش على الأبواب. رأوه بأم العين، شاهدوه في العراق والشام. منظر قطع الرؤوس البعيد اقترب من الحدود اللبنانية. طالت السكين عنقي عسكرييْن شهيدين، وفي شهادتهما رتبة عالية من التضحية، وفي وفاء أهلهما لديهما، رتبة ما فوق وطنية…
اللبنانيون يعرفون جيداً، أن خوفهم هذه المرة، حقيقي جداً، وليس من صنف «التخويف» الذي يمارس للابتزازات المذهبية والطائفية المعتادة. الخوف في لبنان، ليس من ابن بلده، إلى أي طائفة انتمى، بل الخوف، هو من الوحش، الذي صار دولة مترامية الأطراف، لا تقوى عليه دول وجيوش أقوى من لبنان بكثير.
اللبنانيون في العراء، و«جيشهم في الأسر»، وقادتهم السياسيون يمارسون النفاق الدستوري، وينصبون الكمائن لبعضهم، في كل منعطف، أكان نيابياً أم انتخابياً أم رئاسياً. (يتفقون فقط على الجبنة ويحافظون على حصتهم منها، برغم صيامهم الدائم). هؤلاء القادة، استنزفوا لبنان كله. لم يتركوا للمواطن غير مكان إقامة وحيد، إما أن تكون في صفوفهم أو لا تكون». هم الدولة، والدولة خادمة عندهم. هي السلطة والحكومة لتلبية حاجاتهم، هم الجيش، الذي يحتشدون فيه ويحشدون، ليكون في خلافاتهم، غير صالح للاستعمال. مصيبة الجيش بهؤلاء القادة المدنيين، من رتب طائفية مختلفة.
اللبنانيون في العراء. صور «داعش» تلاحقهم. في سهرياتهم وعبر مواقع الاتصال، يسألون عن المصير: هل نبقى أم نرحل؟ من يحمينا؟ كان «قادة لبنان» يعتمدون على الحماية الأمنية السورية، ثم على التوافق الإقليمي، بين السعودية وسوريا، ثم بين السعودية وإيران، ودائماً بعد أخذ الإذن من أميركا. أما وقد انفرط عقد دول القرار الإقليمي، وباتت في حرب في ما بينها، فقد تحوَّل لبنان إلى ساحة تصفية حسابات الدول والثورات والطوائف المنتشرة حول لبنان وفيه.
يُذكر، انه في مناسبة ذكرى 13 نيسان، بدء الحرب اللبنانية، أن سأل شباب لبنان، منذ عشر سنوات، قادة الميليشيات وقادة المحاور الذين شاركوا في الحرب الأهلية اللبنانية، السؤال التالي: «هل أنت مستعد لحمل السلاح مرة ثانية والدعوة، إلى حمله؟» لقد جاءت الإجابة مبرمة: «إذا لم تدافع عنا الدولة، فمن الطبيعي ان يدافع كل إنسان عن نفسه بسلاحه».
منطقياً، هذا مبرر. الدفاع عن النفس، حق مشروع. ما هو غير مبرر، ان يكون جواب من أوكلت إليهم مهمة بناء الدولة، هو اللجوء إلى حمل السلاح. بدل ان يكون، إنشاء دولة قوية وجيش قوي، يتصدى لحماية الإنسان والكيان، في بيئة إقليمية لم تعرف استقراراً أمنياً، ومهددة بالعواصف، هؤلاء، رعوا مزرعة، ولم ينشئوا دولة ولا مؤسسات دولة. جعلوا من لبنان خيمة معرضة للرياح. حولوه إلى ساحة يستضيفون فيها محاور النزاع العربية والإقليمية، وكان مطلب الجميع، تحييد الجيش. إن الجيش المحايد، يتحوَّل إلى شرطة، ولا يستطيع ان يحرس الحدود، يصبح جيشاً ينأى بسلاحه (على قلته) عن القتال، إلا إذا… كما فعل في «نهر البارد»، وليس كما لم يفعله في صد «غزوة عرسال».
حظ اللبناني اليوم ان يدافع عن نفسه بنفسه. ولكنه دفاع مشوب بخطر عظيم. الشيعي، مسلَّح ومدرب ومنتشر وقادر على حماية بيئته وتحصينها ضد غزوات «داعش» و«النصرة». المسيحي، عار من كل حماية، بدأ يفكر بالرحيل أو باقتناء السلاح. والحديث عن التسلَّح، لم يعد سراً، بل بات علنياً و«مباركاً». «لا نريد أن نهجَّر من لبنان، كما هجّر وذبح المسيحيون والإيزيديون في العراق، ولا نريد ان نكون ضحايا العنف الذي جعل المسيحيين يزحلون من بلاد الشام إلى لبنان وأقاصي الدنيا. الدروز الذين يعيشون على التخوم اللبنانية الشرقية، حذرون ومتخوفون. جنبلاط يدعوهم إلى إيكال الأمر للجيش، ولكنهم لا يصدقونه. إنهم يتسلحون. السنة حائرون، ما زال أهل الاعتدال فيهم يصرون على اعتبار المقاومة في لبنان، هي «داعش»، والسنيورة هو أقرب إلى المسيحيين من «داعش» و«حزب ولاية الفقيه». هذا الالتباس، يجعل السنة في موقع الاشتباه، علماً أن خوف الأكثرية السنية من «داعش» يماثل خوف المسيحيين والدروز والشيعة، لعلمهم اليقيني، بأن اعتدالهم «كفر» صراح، في أعين «داعش» وفتاوى النصرة.
ما العمل؟
فات الأوان. تسلّح اللبنانيين العشوائي هذا، لا يرقى إلى تأسيس حالة دفاعية عن الإنسان ولبنان. هذا الطريق، هو الأقصر إلى الحرب الأهلية، خصوصاً أن انعكاسات الحالة الإقليمية، قد تفضي إلى تكريس الخنادق وتصليبها بالقتال والدماء. لا حماية لأحد في الحرب الأهلية.
هل يعوَّل على التحالف الدولي؟ ربما.
هل يعوَّل على قرار لبناني إستراتيجي، يؤهل لبنان، ليكون قوياً موحداً وخلف قواه العسكرية، من جيش وأمن وأنصار وأحزاب ومقاومة؟ هل الانخراط في تحالف دولي يساهم في هزيمة «داعش» على الحدود، وليس عندما تصبح في الداخل؟
هذا المستحيل اللبناني، قد ينقذ لبنان. فمن يجترح هذا المستحيل؟

http://www.assafir.com/Article/18/372817

السابق
سيرة السيد هاني فحص في سطور
التالي
المبادرة الفرنسية تسابق الفراغ النيابي