مخاوف من استخدام لبنان لتصفية حسابات عربية

ربما في الجولة الجديدة من الحرب الدولية على العالم العربي، سيكون على محور المقاومة، بعكس التوقعات السابقة، انتظار خصمه على ضفة النهر المقابلة لمشاهدة جثته تعبر الى المجهول. والأكثر إيلاماً لهذا الخصم سيكون «الهدوء الممتلئ والمكتمل لأركان هذا المحور المقاوم في التعامل مع الحلف الجديد ـ القديم لمحاربة الارهاب بمسماها الجديد تنظيم داعش».

هذه المقاربة تشكّل منطلقاً لتوصيف المشهد العربي والاقليمي والدولي الراهن بانعكاساته على الساحة اللبنانية. فقد حاول الغرب ومحور الاعتدال العربي إمرار جثة الخصم في نهر الفوضى العربية غير البناءة، لكنه لم يفلح. صحيح ان العراق انحنى تحت هول العاصفة الهوجاء فجلس نوري المالكي جانبا وجاء حيدر العبادي، لكن من الخطأ التوهم ان العبادي قادر على التفريط بأي من الثوابت العراقية وفي مقدمها وحدة العراق. وبالتالي فإن اقتراب الحرب على سوريا من سنتها الرابعة من دون ان تمر جثة النظام في النهر لا تعني ان بمقدور النيات المخفية تحت عنوان ضرب «داعش» قادرة على إمرارها في الوقت المستقطع بين انتخابات نصفية أميركية وقرب بدء السباق للانتخابات الرئاسية الاميركية.
والاهم في هذا التوصيف هو ما ما يتردد عن أنه في خضم الحرب الاسرائيلية الاخيرة على غزة، شهد الجنوب اللبناني محاولة توتير في عمقه المحاذي للحدود مع فلسطين المحتلة، بحيث بدأت الصواريخ المشبوهة تنطلق ليس بنية مؤازرة الشعب الفلسـطيني الذي يقتل، بل لصرف الأنظار جزئيا عن الإجـرام الاســرائيلي ومحاولة فتح جبهة جديدة تضـع المقــاومة في لبنان أمام نارين: النار السـورية ومتـفرعاتها الارهـابية، والنـار الاسـرائيلية.
لكن الاخطر هو المعلومات التي تسرّبت الى لبنان وعلمت بها المقاومة، وهي ان جهات عربية طلبت من اسرائيل استغلال إطلاق الصواريخ من الجنوب اللبناني وتوجيه ضربة قاصمة لـ«حزب الله» مع استعداد لتوفير كل الدعم لإسرائيل في هذه الحرب وبحساب مالي مفتوح، إلا ان هذه المحاولة لم تلق أذنا صاغية في اسرائيل، ليس لان قادة العدو تخلوا عن إجرامهم وعدوانيتهم بل لان المعلومات والتقديرات العسكرية والاستخباراتية الاسرائيلية تدرك ان مشاركة «حزب الله» في سوريا لم تؤثر على جهوزيته في مواجهة اسرائيل، لا بل ازداد عديداً وعتاداً وخبرات ميدانية، وسط خشية من ان تكون ساحة الحرب المقبلة أرضاً فلسطينية محتلة في الشمال لا أرضاً لبنانية.
وتشير المعلومات إلى ان هذا الطلب تجدد في الفترة التي شهدت هدنة في الحرب على غزة، على قاعدة ان فشل اسرائيل في تحقيق أهدافها يحتاج الى مخرج يحفظ ماء وجهها، وهذا لا يكون إلا عبر ضربة جوية صاعقة ضد بنك أهداف لـ«حزب الله»، على أن تتكفّل تلك الجهات العربية بالباقي عبر مجموعات ناشطة وخلايا نائمة في الداخل اللبناني. إلا أن هذه المحاولة فشلت أيضاً لان اسرائيل تعي ايضا ان أي ضربة جوية ستعرّض كامل مساحة الكيان الاسرائيلي الى سقوط وابل من الصواريخ وربما تكون الدفعة الاولى بالآلاف، وبالتالي تكون أدخلت نفسها في ورطة جديدة.
انطلاقاً من هذه المعطيات، تخشى قيادات لبنانية أن يندفع بعض العرب لاستخدام اجتماع جدة، وما نتج منه من تحالف أشوه ومنقوص لمحاربة «داعش»، في عملية تصفية حساب جديدة مع محور المقاومة، وأن يكون المعلن شيئاً والمضمر شيئاً خطيراً آخر. فإذا كانت نية الأميركي هي إعادة الإمساك بزمام المبادرة والاستثمار على النتائج، إلا ان بعض العرب يريدون ان تتحول الحرب المقبلة الى فرصة أخيرة يتم فيها الإجهاز على كل قدرات محور المقاومة. من هنا الخشية من أن تحول هذه الحرب لبنان الى ساحة لتصفية الحسابات بما لا يقوى على مواجهته في ظل الواقع السياسي والمؤسساتي الراهن.
الغرب، بقيادة أميركا، أعلن الحرب على الإرهاب. لكن قد تكون نيات بعض العرب في مكان آخر، بحيث يكون رأس المقاومة هو المطلوب.. مجدداً. فهل تقبل أميركا ما رفضته اسرائيل من تورط ضد المقاومة؟

http://www.assafir.com/Article/20/372667

السابق
القباقيب..على وشك الزوال
التالي
’إيزيس’ في كل مكان، إلى متى؟