بعد العراق .. لبنان وسوريا وخطأ الأوهام 

لم يَخرج مؤتمر باريس، الذي انعقد تحت شعار دعم العراق في حربه ضد تنظيم “الدولة الاسلامية”، عمّا كان مخطّطاً له.

في الأصل، أتى المؤتمر تتمّة طبيعيّة لاجتماع جدّة الذي انعقد قبله بأربعة أيّام، وهي المدة التي استغرقها الإعداد لمؤتمر باريس، للبحث في المشروع السياسي الأشمَل الذي ستُخاض على أساسه المواجهة مع «داعش» والإرهاب بأشكاله كافّة.
والفارق بين المؤتمرين هو أنّ مؤتمر باريس أطلق «ورشة» العمل في العراق، بعدما ضَمِن المجتمعون شروط العمل السياسي قبل الشروع في العمليات الميدانية التي ستبدأ من الآن فصاعداً بتحجيم «داعش»، وصولاً الى القضاء عليه في هذا البلد.
لكن ماذا عن سوريا؟
تُجيب أوساط أميركية تشارك في الجهود والإتصالات التي تجريها واشنطن: «إنّ الرئيس باراك أوباما كان واضحاً منذ البداية في التمييز بين ما يجب القيام به في العراق، وما يمكن القيام به في سوريا. لكنّ بعض الأطراف الذي حاول «امتطاء» الجواد الأميركي الطائر فوق العراق، بدأ يعِد نفسه بقطف الثمار، أو أقلّه بتعويض ما أمكَنه من خسائر أصيب بها بعد الذي شَهده هذا البلد خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
فعَوّلَ هذا البعض على شراكة موضوعية مع واشنطن، تؤهّله أن يكون شريكاً إقليمياً كامل المواصفات على «حاملة مكافحة الارهاب»، وأدار اتّصالاته السياسية وضغوطه وماكيناته الإعلامية على هذا الاساس، مُعتقداً أنّ دوره في سوريا لن يعود محطّ تساؤل، وأنّ نظام الرئيس بشار الأسد يمكن أن يتحوّل شريكاً كاملاً ومقبولاً في هذه الحرب الكونية».

وتؤكّد هذه الأوساط أنّ «كلّ تلك الحسابات بَدَت بلا رصيد، في الوقت الذي اكتشفت فيه السياسة الأميركية خطأ رهاناتها السابقة وابتعادها عن الحاضنة العربية الأوسع، وأدرَكت أنه لا يمكن النجاح في مواجهة الإرهاب من دون التعاون مع مكوّنات المنطقة، مع استبعاد تورّطها على الأرض».
ضِمن هذه المعادلة، كيف يمكن للتحالف الدولي أن ينجح في محاربة «الإرهاب السنّي» اذا كان من بين أطرافه مكوّن آخر، أقلّ ما يوصَف به، أنه كان أحَد أسباب تشظّي هذا الإرهاب على الشكل الذي هو عليه؟
تقول تلك الأوساط إنها «لم تُفاجأ بردّات الفعل وانقلاب الأدوار، وحتى بالخطابات التي تتوالى من أوساط «المُستبعَدين» عن التحالف الدولي.
فواشنطن لا تريد الردّ وليست في موقع الردّ على ادعاءات لا تمّت الى الواقع بصِلة، حيال مَن استبعد مَن، ومَن اتّصل بمَن. هناك انتظام دولي تحتشد فيه وخلفه قوى رئيسة كبرى، يكون اجتماعها في الغالب، تمهيداً لاتفاقات استراتيجية».
وتؤكد الأوساط أنّ «الوضع في سوريا سيأخذ وقتاً، خصوصاً أنّ مرحلة «ما بعد داعش» في سوريا والعراق تحتاج إجراءات سياسية وميدانية، وخَلق توازنات سياسية تعيد تقديم صورة الوضع فيها خلافاً لِما هي عليه الآن».
وتشير الى «وجود أوهام كثيرة تملأ رؤوس عدد من اللاعبين المحليين والإقليميين، سواء في سوريا أو في لبنان. فمشاريع إلهاء اللبنانيين بحملات الترشيح والانتخابات، والتلويح بتعطيل ما تبقّى من مؤسسات دستورية فيه، تُظهِر أنّ قراءة التاريخ وحركته السياسية ليستا في متناول هؤلاء.
فإذا كانت سوريا نفسها مطروحة على بساط إعادة تركيبها وفق معادلات سياسية جديدة، فكيف يمكن للبنانيّين تَناسي ترتيب الاتفاقات التي رعَت انتظامهم السياسي، وكانت نتيجة توافقات دولية واقليمية كبرى، وليست فقط نتيجة موازين قِواهم الداخلية؟ هذا ما حصل في «اتفاق الطائف» وصولاً الى «اتفاق الدوحة».
وتنصح الأوساط الأميركية أخيراً بمراقبة ما سيحصل على الأرض من الآن فصاعداً، خصوصاً أنّ إدارة أوباما قد ضَمنت تعاون الكونغرس معها في إطلاق يد المعارضة السورية مجدّداً، حيث يتوقع أن يُمرّر مشروع دعمها وفق آلية بسيطة، بعد إدخال تعديلات تقضي بأن يُطلِع البنتاغون الكونغرس على خططه لتدريب المعارضة السورية قبل 15 يوماً من بدئها، وبإلزام وزير الدفاع إحاطة الكونغرس بكلّ التطورات المتعلقة بهذه المهمة خلال 90 يوماً، وتوفير لوائح بالاشخاص الذين سيتم التعاون معهم.

http://www.aljoumhouria.com/news/index/169614

السابق
 أوروبا ومعالم الرؤية الفلسفية العتيدة
التالي
السعودية وقطر ترميان بثقلهما لإرباك أمن دمشق والجيش يحتوي الهجمات