بشير الجميل: جدليّة الوطني والعميل

بشير الجميل
يرتبط الجدل حول ما إذا كان الرئيس السابق بشير الجميل شخصية وطنية أو "مجرّد عميل"، باختلاف مفهوم الوطن والكوة الّتي نراه من خلالها، وإن كانت مرتبطة بالمصلحة الوطنية أو بالعقيدة.

انتخب بشير الجميل رئيسا يوم 23 آب 1982 في الدورة الثانية من الاقتراع بنيله 57 صوتا و5 أوراق بيضاء، وولايته الرئاسية القصيرة جدا تقتصر على 22 يوما ، استطاع خلالها، كما يقول جوناثان راندل، وهو من أشدّ المنتقدين للجميل، أن ينجز تحوّلا سريعا، فقد استطاع ان يجعل من “جهاز الدولة الذي كان مغيبا تغييبا كاملا ومخلا بواجباته وغير مفيد، أن ينقلب بسحر ساحر للمواظبة على الدوام في وظيفته طوال الوقت وجعله جهازا منتجا”.
الآن وبعد مرور 32 عام على رحيله، لا يزال بشير الجميل موضع تجاذب ونقاش يتراوح بين كونه مجرد “عميل” وصل الى كرسي الرئاسة على ظهر الدبابة الإسرائيلية وبين كونه “بطلا” قوميا لبنانيا عمل على تخليص لبنان من هيمنة منظمة التحرير الفلسطيني وسعى بعد ذلك الى تحرير بلده من كل القوى “الغريبة”.
هذا الانقسام الحاد والمتناقض في النظرة الى شخصية بشير الجميل، انما هو بحقيقة الامر نتاج خلل بنيوي في أسس الرؤية الكيانية عند اللبنانيين، وحصيلة خلاف عميق وتباين كبير في فهم الركائز الفلسفية لفكرة “الوطن”، بين كونه مفهوما حديثا لا علاقة له بأيّ مسبوقات عقائدية على تنوعها (عروبي – إسلامي – مسيحي .. ) وبين مقاربة مفهوم “الوطن” بفكر عقائدي.
الرؤية الأولى تجعل من لبنان وطنا مستقلا، وتكون عندئذ المصلحة الوطنية العليا هي المبرر الوحيد لنسج العلاقات والروابط مع الآخرين، وبالتالي فإنّ مفهوم الصديق او العدو انما تخضع أولا وأخيرا وفقط الى اعتبارات المصالح والمفاسد المترتبة عليها، وعليه فلا فرق حينئذ بين عدو إسرائيلي او عدو سوري اوفلسطيني وإيراني اذا ما كان لبنان الدولة والكيان متضررا من أي منهم، ولا قيمة البتة للغة او الدين او العرق، بل ومن الممكن حينها ان يتحول الصديق والاخ المفترض الى عدو بمجرد إلحاق الضرر بالمصالح الوطنية.
وينعكس الأمر في حال تداخل الدين والعقيدة في مفهوم الوطن؟ فالعروبة مثلا اذا ما كانت تشكل ركيزة مفهومية، فيتحول عندها احتلال لبنان من قبل الجيش العربي السوري الى مجرد وجود اخوي، ويصبح وجود السلاح الفلسطيني والعبث بمقدرات البلد ضرورة قومية تخدم القضية المركزية ولو على حساب امن وسلامة هذا الوطن، لأنّ المصلحة “الكبرى” هي المقدَمة، وهكذا عندما يتحول لبنان الى مجرد جزء صغير من مفهوم “الامة” الإسلامية فحينها من المنطق على حاملي هذه النظرية أن يهون عندهم خراب وطنهم طالما أنّ في خرابه إمكانية ان تتحقق الأهداف الأعظم المتمثلة بحفظ الجسد الأكبر.
أغلب الظنّ موضوع بشير الجميل هو واحد من هذه الإشكاليات التي عانينا ولا نزال نعاني منها، وهنا تماماً مكمن الخلل في كون لبنان لم يصل بعد الى مصاف الدول الطبيعية… وهنا لا بد من القول إنّ هذه المعضلة التي رافقت لحظة تأسيس لبنان لم تنته بعد طالما أنّ فريقا كبيرا من اللبنانيين لا يزال مصرا على مقاربة مفهوم الوطن بخلفية عقائدية، خصوصا عند العروبيين منهم وتحديدا عند المسلمين منهم.

السابق
مسرحة الموت
التالي
مولود سياسي سني جديد يخرج الخميس من رحم 8 آذار