المفكر الصحافي

تعود معرفتي بالسيد هاني إلى السنوات الأولى من حرب 1975. التقينا في ما كان “عصفاً فكرياً” في مركز التخطيط الفلسطيني الذي كان يضم نخباً شابة من مثقفين فلسطينيين ولبنانيين مسيحيين ومسلمين، علمانيين ويساريين في أكثريتهم الغالبة، وفي مكاتب مجلة “شؤون فلسطينية” حين كان محمود درويش رئيساً لتحريرها. ومنذ ذلك الوقت، وطوال الحقبة المنصرمة وحتى لقائنا قبل أقل من أسبوعين، بقي السيد مناضلاً ومفكراً شاباً عميقاً وصافياً في لبنانيته وفلسطينيته وعروبته. وكان دائماً يبدو مرتاحاً وسعيداً بخياراته. لم أره يوماً في حالة تردد أو ارتباك في لبنانيته أو فلسطينيته أو عروبته: تندمج جميعها في شخصية متماسكة، تنساب تواضعاً وبساطة وصداقة، وإلفة، ووضوحاً في التعبير يشهر طمأنينة داخلية، ونضجاً راكمته التجارب.

وكان للجنوب اللبناني ولشمال فلسطين ركناً خاصاً في عاطفة السيد، فهما “الوطن الصغير” لنا نحن الجنوبيين الذين امتد بهم العمل ليتذكروا التواصل الطبيعي بين المنطقتين قبل أن يتحول “زيحٌ” على ورقة في جيب السيد سايكس إلى “حدود”.
لم يخرج السيد عن عروبته العميقة الالتزام في زمن النفوس الهائمة بحثاً عن انتماء هنا أو هناك، ولم يخف يوماً ثالوث شخصيته، بل كان فخوراً ومتباهياً بكل عنصر من عناصرها، وكأنه ملك شخصي،
ولم يتهيب السيد يوماً عن إعلان أفكاره الذاهبة بعيداً في الدفاع عن مصالح فقراء شعبه وأمته وشعوب العالم، وكل الذين يناضلون ضد الاستبداد ومن أجل المساواة والحرية، من دون أن يأبه لمن يريد أن يعتبره شيوعياً أو ماركسياً.
أيها السيد الشاب المتمرد القريب إلى القلب في مجلسك المتميز بالجدية والظرافة معاً، وفي حديثك المتميز بالشجاعة والوضوح وعمق الالتزام. وفي “قفشاتك” الذكية والبريئة والنظيفة حتى التلقائية: عد إلينا، إلى محبيك الكثر.

السابق
18 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الشيخ النمر
التالي
لماذا غادرت قوة الامم المتحدة هضبة الجولان السورية؟