سليماني يتقدم في العراق.. ويتأهب لجولة في سوريا

كان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يتلمس في محفل عراقي خاص قبل فترة آراء سياسيين عراقيين بواسطة مستشار المرشد الأعلى الجنرال المتقاعد علي شمخاني.

لم يكن قد تقرر بعد تسليم شمخاني إدارة السياسة الإيرانية في العراق. غير أن سياسيا عراقيا، مقربا من السعودية، سارع إلى نقل الخبر إلى الرياض، فذهب البعض بعيدا في فهم أن هناك نية إيرانية باستبدال قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني. وتزامن هذا “الفهم” مع الرغبة السعودية بإقصاء رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي، فشكلّ الإعلام العربي رواية تقول إن طهران قررت استبدال سليماني، والخضوع للضغط السعودي باختيار بديل للمالكي.
ويمكن إعادة صوغ هذه الفكرة وفق السياق التالي:
أفردت وسائل الإعلام العربية في الأسابيع الأخيرة مساحة واسعة للحديث عن “سحب” الملف العراقي من قاسم سليماني. غير أن مسار المعارك مع تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”-“داعش” أثبت أن الخبر عارٍ من الصحة. صور سليماني المسربة في الجبهات (وآخرها آمرلي) كافية لإثبات ذلك. لا تعدو الحقيقة حدود أن تغييراً بسيطاً طرأ في الشكل، لاعتبارات قرأتها قيادة “الحرس الثوري” ولأسباب توصل إليها المرشد الأعلى السيد علي خامنئي بعد سلسلة استشارات مع موفده السياسي “المحبوب” عربيا إلى العراق علي شمخاني، وبعد مراسلات عديدة مباشرة مع المرجع السيد علي السيستاني.
لم يلتفت الكثيرون إلى أن مهام “فيلق القدس” تتمحور، في الأصل، في الصراع مع إسرائيل، وهو معني بالنطاق الجغرافي المحيط بفلسطين المحتلة، وأن إسناد مسؤوليات ميدانية لسليماني في إدارة الملف العراقي في الآونة الأخيرة تقرر نتيجة حاجات عملية متعلقة بالصراع الدائر في سوريا الواقعة تحت نطاق مسؤولية الفريق سليماني (تم ترقيته قبل فترة من رتبة لواء)، مع الإشارة إلى أن صناعة القرار في إيران لم تكن يوما مشابهة لما هو رائج في الدول العربية، وأن تكليف أي شخص بإدارة ملف أو استبداله يتم عادة بطريقة سلسة، وفق آليات صناعة القرار داخل المؤسسات المعتمدة في طهران.
في السابق، كان سليماني يدير الملف العراقي من الألف إلى الياء، بشقيه الاستراتيجي والتكتيكي. فقررت إيران أن تقسم الملف إلى قسمين: قسم سياسي يديره المجلس الأعلى للأمن القومي واللجنة التي تم تشكيلها بقيادة شمخاني، وهؤلاء يستمعون لرأي سليماني السياسي، وقسم ميداني يتولى إدارته سليماني نفسه بشكل مباشر. (المشهد نفسه كان ينطبق على سوريا حتى فترة قريبة).
لم تكن يوما إدارة العملية السياسية العراقية في صلب مسؤوليات سليماني. استرجاع المحطات المفصلية يثبت أنه كان للاعبين آخرين الدور الأبرز في الخفاء والعلن.
أصاب النظام الإيراني أهدافا عدة في آن:
– وافق على استبدال المالكي (بمرشح آخر من الحزب نفسه)، فرضيت السعودية وحافظت إيران على اتجاه البوصلة السياسية العراقية في مصلحتها استراتيجيا. علما أن الشائعات حول استبدال سليماني تزامنت مع استبدال المالكي لتشكيل رأي عام ينحو باتجاه أن السياسة الإيرانية السابقة في العراق قد فشلت، وأن العمل جارٍ على تغيير رموز المرحلة السابقة.
– أراح النظام الإيراني سليماني من عبء الملف السياسي الذي لم يكن يوما في أصل مهامه، وأخرج إلى العلن إدارة الملف بتشكيل لجنة قومية برئاسة علي شمخاني. باتت اللعبة أكثر مرونة بالنسبة إلى طهران، وبات سليماني أكثر تركيزا على إدارة العمل الميداني في العراق وسوريا وفلسطين ولبنان.
– تشهد مؤسسات الدولة الإيرانية إعادة ترتيب داخلية منذ مجيء الرئيس حسن روحاني إلى الحكم، بإشراف مباشر من المرشد الأعلى. تسييس الملف العراقي هو احد القرارات التي تم الاتفاق عليها مع قيادة “الحرس الثوري” لإيجاد مساحة أكبر في اللعبة الإقليمية بعد أن أدت “عسكرة” الأزمة في العراق إلى توتر طائفي ليس في مصلحة أحد.
– تتماشى التغييرات الإيرانية مع إرادة المرجعية العراقية، المتمثلة بالسيستاني (ومراجع النجف الأكثر بروزا الذين زارهم شمخاني). وتؤكد مصادر عراقية أن أكثر من مراسلة جرت بين السيستاني وخامنئي، وأن الأخير أبدى حرصه على أن يكون رأي الأول محل اهتمام خاص عند تشكيل السياسة الإيرانية الجديدة في العراق ورسم معالم المرحلة. وهنا أيضا، لا بد من الإشارة إلى أن العراقيين، على اختلاف مشاربهم، يتلمسون بقوة أهمية الدور الذي تؤديه المراجع منذ إصدار فتوى واجب الجهاد الكفائي في مواجهة “داعش” الذي وصل في بداية الأزمة إلى أبواب بغداد، كما وأهمية دعم المزاج الشعبي في العملية السياسية (من قبيل إبداء الرأي في اختيار رئيس الوزراء).
في الخلاصة، تفيد مصادر مقربة من دوائر صنع القرار في طهران أن قاسم سليماني أصبح أقوى من قبل، وأن انتقال الأميركيين إلى محاولة استثمار ورقة هزيمة “داعش” (عقب الانتصارات الميدانية التي يقودها سليماني في العراق)، وبالتالي إيجاد مبرر لدى واشنطن لزيادة تسليح المعارضة السورية والسعي مجددا لتسجيل مكاسب ميدانية في دمشق ومحيطها ورمي أوراق جديدة في العراق ولبنان، كل هذا يوجب على الجنرال الإيراني التعامل مع ملفات أكثر تعقيدا والتفرغ للمعارك الميدانية في الجولة المقبلة.

السابق
ما جديد منتدى بيروت الخامس للطاقة؟
التالي
كيف رد اوباما على بثينة شعبان؟