الجماعة الإسلامية تواجه الإحراج.. بالوسطية

هي المرحلة الأكثر حراجة بالنسبة الى “الجماعة الإسلامية” منذ سنوات طويلة.

حراجة الموقف تنبع أصلاً من حراجة المرحلة وتأثيراتها على “الجماعة” التي تبدو واحدة من أكثر الحركات تضرراً مما أسفرت عنه الرياح الإقليمية التي هبّت لتطيح ركائز بَنَت عليها “الجماعة” آمالاً كبيرة، خاصة مع بدء أحداث “الربيع العربي” وسطوع نجم حركة “الإخوان المسلمين” في العالم العربي.
لكن يبدو أن الأحلام قد تكسّرت على صخرة الواقع، وباتت “الجماعة” في موقف دفاعي مع سقوط حلم العودة الى سوريا، والثورة الشعبية على حكم “الإخوان” في مصر، أو ما تسمّيه الحركة بـ”الانقلاب العسكري” عليها، إضافة الى تراجع التيار الإسلامي قاطبة بعد مدّه الشعبي قبل نحو أربع سنوات.
هذا الأمر أدى بالحركة الى حالة شبيهة بالوحدة في الداخل اللبناني، خاصة أن جماعات سلفية، مزايدة على “الجماعة”، تمكنت من هز البساط الشعبي من تحت أقدامها.. ما أدى الى انتقادات داخلية أو من قبل شخصيات خارجة حديثاً من رحم التنظيم، تتمحور حول غياب الرؤية وقصور المبادرة، وصولاً الى الجمود في الموقف السياسي.

نحن ضد “داعش”

هذه التساؤلات وُضعت برسم رئيس المكتب السياسي للحركة عزام الأيوبي، الذي أفاض بالإجابات لمحاولة إبعاد شبهة “العزلة” عن “الجماعة”.
لا تزال “الجماعة” على وسطيّتها، يؤكد الأيوبي، ففي الداخل اللبناني، “ليست الحركة منضوية في صفوف قوى 14 آذار، إذ إنها حريصة على تميّزها بعيداً عن المحاور، وإن كانت تتقاطع مع تلك القوى أكثر من تقاطعها مع القوى المنضوية في صفوف 8 آذار”.
ولعل الحدث الأكبر الذي تتقاطع فيه “الجماعة” مع قوى “14 آذار”، يتمثل في تأييد قوى معارضة للنظام في سوريا. ولا يُخفى عن “الجماعة” أن تلك الاحتجاجات أضحت حركات وتيارات تكفيرية مسلحة تدعو الى نظام إسلامي لا إجماع عليه في الساحة الإسلامية، يبدو تنظيم “داعش” الرمز الأكبر له.
يقول الأيوبي إن النظرة الى الأحداث السورية لم تتغيّر، لكن هذا الأمر لا يعني تأييد ظاهرة “داعش” المتشددة والعنفية، “نحن مع الثورة بنصاعتها ونريد العدل والمساواة، ونحن لن نستسلم لهذا الواقع كما لم نستسلم للنظام السوري، ولكننا مع الشعب السوري”.
وعلى ذكر “داعش”، كان لا بدّ من توجيه السؤال إلى الأيوبي حول موقف “الجماعة” من الحلف المتجدّد، الإقليمي والدولي، الذي قام لمواجهة هذا التنظيم. “هذا الحلف ليس جديداً، فقد وجد بعد أحداث ايلول العام 2001 بوجه تنظيم القاعدة، وهو يظهر بنفس جديد”، يقول الايوبي الذي يشير الى ان الحلف القديم قد أفرز حالة “داعش” الأكثر تشدداً من “القاعدة”، لافتاً النظر الى ان هذا الحلف ليس جدياً ولن يقود الى إنهاء “داعش” على المدى القصير.
ولكن كيف تقيّم “الجماعة الإسلامية” ظاهرة “داعش” نفسها؟
يقول الايوبي: “إنه تنظيم يمزج مجموعات عدة، بعضها لديه قراءة سطحية للإسلام وبعضها الآخر جاء نتيجة تمرد على الظلم وهو مستعد للقيام بظلم مضاد، كما أن ثمة مجموعة تعدّ ذراعاً لأجهزة مخابرات دخلت على الخط في سبيل استخدام داعش ضمن أهدافها، ومنها تشويه المشروع الإسلامي وضربه من الداخل، ومنها تدمير الثورة السورية”.
تعد “الجماعة”، وفق الايوبي، أكثر المتضررين من تسلل “داعش” الى الساحة اللبنانية، والذي “جاء بسبب تدخل حزب الله في سوريا”، وخدمة للبعض “الذي له مصلحة في إيجاد مشروع إسلامي بهذه النوعية كالنظام السوري”.
ثمة انتقادات وجهت الى “الجماعة”، من داخلها، حول سلبيتها وعدم مواجهتها لهذا المشروع، وهو انتقاد يأتي ضمن جملة الانتقادات حول غياب الرؤية الواضحة والمبادرة لدى الحركة. يجيب الايوبي: “نحن ضد داعش، وعلينا دور أساسي انطلاقاً من فكرنا المعتدل لمواجهة هذا الفكر المتطرف، وعلينا واجب المواجهة عبر ثباتنا على الساحة. نحن نواجه، علماً أن في أوساطنا من يدعونا الى عدم التصدي لهم فكرياً وإعلامياً وسياسياً، وتركهم يواجهون المشروع الآخر”.
يفتح النقاش حول سبب التراجع على صعيد الساحة الإسلامية السنية، في ظل انتقادات داخلية في “الجماعة” حول ضمور ما قد أصابها.
لا ينفي الايوبي تراجع “الجماعة”، ويشير الى أن كثيرين يستثيرهم الخطاب العالي النبرة، ويعطي مثالا ظاهرة الشيخ أحمد الأسير.. التي ما لبثت أن سقطت. ويقول إن “الجماعة” تفكر على المدى الطويل ويراعي خطابها التعدد، “وقد كان عالي النبرة أحياناً”.

“المستقبل” ابتعد عنا

بالحديث عن الساحة السنية، لا بدّ من سؤال “الجماعة” حول علاقتها المتردية أخيراً مع “تيار المستقبل”. ولعل الحدث المصري رمى بثقله على العلاقة، مع انحياز “المستقبل” الى الحكم القائم اليوم في مصر، بينما ترى “الجماعة” أنه غير شرعي. علماً أنه، حتى على هذا الصعيد، ثمة انتقادات داخلية لما يسمونه “خجلاً” في معارضة “الجماعة” للحكم القائم في مصر، برغم كونها تشكل فرعاً لـ”الإخوان” في لبنان. هذا الامر ينفيه الايوبي، مذكراً بأن “الجماعة” أعلنت جهارا معارضتها للحكم المصري الجديد ومن دعمه في لبنان كـ”المستقبل” والنائب وليد جنبلاط.. مشدداً على ان العلاقة اليوم مع السفارة المصرية هي شبه مقطوعة.. وتسأل “الجماعة” تيار “المستقبل”: لماذا انتقد التيار “حزب الله” لانقلابه على انتخابات شرعية في لبنان، بينما لم يفعل الأمر نفسه على من انقلب على الشرعية في مصر؟
وتذهب “الجماعة” الى اتهام “المستقبل” بمحاولة الاستئثار بالساحة السنية ومحاربة كل من له حيثية في هذا الشارع بهدف إلغائه، “علماً ان “المستقبل” هو من ابتعد عنا لا نحن”. وتشير “الجماعة” الى ان “المستقبل” مربك داخلياً ومرتبط بالخارج. يذكر ان طبيعة العلاقة بين التنظيمين شكلت على الدوام اعتراضات لدى بعض قاعدة “الجماعة” التي تعتبر موقفها استلحاقياً بالتيار، حتى أن البعض في “الجماعة” طالب بعدم ترشّح النائب عماد الحوت للإنتخابات النيابية المقبلة. علماً أن الايوبي ينفي بشدة مسألة الاستلحاق، مستشهداً بالمعارك الانتخابية البلدية والنقابية التي خاضتها “الجماعة” بوجه “المستقبل”.

عن القيادة والقاعدة

على أن البعض ينتقد “الجماعة” أيضاً بسبب أسلوب إدارة الحركة في ظل مطالبات بتولي قيادة شابة للأمور. يبدو الأمر جلياً على مواقع التواصل الاجتماعي ومنها “ربيع النهضة” الخاص بمؤيدي “الجماعة”. والواقع أن ثمة أسئلة يطرحها هؤلاء: لمَ لا تتسلم قيادة شابة مقاليد الأمور؟ مذكرين، على سبيل المثال، بأن الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله تسلّم مسؤولية الأمانة العامة للحزب وهو في الـ32 من عمره. ماذا عن الفجوة بين القيادة والقاعدة؟ ماذا عن قيادات أُبعدت عن الحركة أو استقالت؟
يستعرض الايوبي أسماء القياديين في “الجماعة”، مشيراً الى أن ثلاثة أو أربعة فقط من القيادات الكبرى في الحركة هم فوق الـ50 من العمر، ملاحظاً أن قيادات كثيرة هي اليوم في العقد الثالث أو الرابع من العمر. ويؤكد أن “الجماعة” أكدت تداول المسؤولية، ولا يحق اليوم للأمين العام مثلاً، أن يجدد العهد لولاية ثالثة، سوى إذا ترك مسؤوليته، الأمر الذي يترك الى آلية ديموقراطية داخل مؤسسات الجماعة، من شأنها معالجة أية حركة اعتراضية.

السابق
كيف رد اوباما على بثينة شعبان؟
التالي
أهالي عبا يتضامون مع الموقوف فحص