سيدي هاني فحص أنظر إليك وتغشى قلبي صلاة.. عد إلينا

منذ فترة تلت إطلالته الرائعة في «الماغازين السياسي» الاذاعي مع الصديق المشترك الوزير رشيد درباس فاجأني العلامة السيد هاني فحص بطلب مقالة من 250 كلمة لزوم كتاب يعده ويشمل ما قاله فيه أصدقاؤه. وترددت مهابة الكلمة في حضرة فقيه كبير وأديب بليغ لكن عدلت وجوب الثقة التي غمرني بها واتصلت بالعزيز مصطفى حاملاً كل بريد السيد الالكتروني وعلمت أنه بعد الدخول الى المستشفى إثر تعرضه للوعكة الصحية. وها انا أنشر ما كتبت بعد شهر كامل ما فارق السيد لا عقلي ولا قلبي ولا يزال.. وأملي ليشفى..

«وإذا أذن بالدعاء.. أذن في الاجابة»..

وحين تفيق سيدي.. سأعتذر منك: عد الينا «نحن شركاء الحب والخير»..

.. من صغري اتهيب النظر طويلا الى الجبل.

وأكاد لا انظر طويلاً وتغشى قلبي صلاة غريبة

واتخيل مجموعة من الناس المقيمين في الأعلى.. لكن كيف تصعد الجبل مع اتساع المجال والهواء. الغرابة انك في ظل الارض في وفرة الرحلة، وفي الصورة انت في سجل التعمير الدائم أو الامحاء الدائم، تجري موصولاً بوافر العناصر التي تجعلك تغادر يقينك حيناً أو تغرق اطلاقياً مع هذا الفائض من الاحساس حيث تنظر؟

هاني فحص من اولئك المقيمين في الاعلى ونار في الجبل، ولا فرق بين جبل حرمون أو جبل الباروك أو جبل صنين أو اي جبل آخر على الارض. الرجل متجرئ على سلم النهارات يطل على مدينة. تعرفه جيداً كما تعرف الشجرة أو الدرب البيضاء والهواء الموصول بكل زمن. ذلك أنه مشى قبلنا الدروب الوعرة ليصير كبيراً في تحولات الفقه الديني وفي الشعر وفي الكتابة وفي التأملات والحوارات وكل المسارات السياسية والأدبية والنقدية.

كان اسمه في ذهني منذ مطلع التسعينات، نهاية الثمانينات مع اسماء اخرى كبيرة التقيتها وحاورتها اذاعياً ولا انسى منها الشيخ محمد مهدي شمس الدين أو السيد محمد حسين فضل الله أو المطرانين جورج خضر وخليل ابي نادر ولا الأب ميشال حايك ولا غيرهم.. ولكل منها ضياؤه.. والسيد هاني في مكان يدفع اليوم بظهورهم في الذاكرة. وهو على جرأته وفرادته يكملهم في شبابه الدائم ونضارته، الزمن الموجود في كل زمن. وفي طرحه المبكر لفكرة الدولة وفي مغامرته بالدخول في اتجاهات عصرية وحداثية، وعلى شفافيته يعرف كيف يكون ظاهرة ومن ضمائر الكل الذين تعرفهم.

لكن امرين يشدانني الى الرجل: اسلوبيته في التعاطي الفكري والانساني مع عقيدة غير ثابتة (ايديولوجيا) ويراها على وحدانيتها الايمانية، تعددية منفتحة على الآخر وعلى الحداثة ويعيشها كما لو اننا جميعاً من عمق ازلي واحد.

وثانيهما ان هاني فحص يعيش العروبة أمس واليوم وغداً ولا يخلط معها شيئاً والسهل والصعب يذوبان فيها واذا أردت هي الرتابة المبدعة لمنظومة أفكار تبدو عميقة جداً في المحبة القصوى التي يوفرها لها بقلبه العميق وحكمته الصادقة والاهم انه رجل يؤدي تجربته جيداً ويتفانى من أجلها وعدم إفراغها من طموحها باعتبارها حقيقة تعطيه فرحها من أجل الآخر..

منذ ذلك وأنا انتظره وأجده في كل الاتجاهات يمثل الاتجاه النيوكلاسيكي للعالم والسوريالي في محبته للحوار بين كافة أجناس الخلق والدادائي في سخريته ما بعد الحداثية من بعض السلوكيات والادوار السياسية والاجتماعية الشكلانية ومستعد بتواضعه ان يقول اي شيء. ولكن مع ذلك لا تستطيع ان تأخذ منه توافقاً على اي فكرة تغادر يقينه أو تخلط معها أشياء فهو السهل والصعب يذوبان مع بعضهما..

اعتقد ان تمايزه في الاتجاهين العقيدة والعروبة هو في تلك الحركية الواقعية المادية المحسوسة والمزاج الشفيف والالتماعية الموحية كمتواليات تليها حالات وحساسيات ومساحات وجغرافيا وتقاطعاتها.. فهو مؤمن ويمارس الواقعية السياسية وداعية حوار وتأملات ونظرات متجددة يربط بين الكتابة والدين والمسيح والصوفيين والماركسيين وبين الشعر وبمضامين روحية يزرعها على مرآته اليومية، شخصية معنوية يرسلها رسائل مهمة وتحتل مساحة مرموقة ومحترمة جداً في المجتمع.

انها شخصية مرئية جداً..

تؤدي مهمتها بتلك النظرات التي تأخذ شكلها من أناقته وقامته العالية ومن حيويته الفائقة ومن حساسيته يأتي اليك احياناً من دون ان تدري مجرى نهر فائض عن ضفته في أعلى الجبل..

هاني فحص.. ما القمر؟

ان نصدق وعدنا على الأرض؟

غير الود والحب؟

السابق
عناصر من حزب الله تفبرك ملفا للأسير المحرّر أحمد اسماعيل
التالي
سيرة حزبية: روايتان تقرران مصير سامية