خريطة طريق ما بعد أوباما

كثيرة الانتقادات التي تعرض لها الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بعد سيطرة داعش على مناطق في سورية والعراق، وأهمها مدينة الموصل، في يونيو/حزيران الماضي، وتهديداتها باحتلال بغداد، وكانت ذروة الانتقادات الحادة، في أغسطس/آب الماضي، بعد قوله “لا نملك استراتيجية بعد للتعامل مع داعش”، كما بعد قطع رأس الصحافي الأميركي، جيمس فولي، حيث غادر وأمضى إجازته يلعب الغولف. وكثيرة الحملات التي شنت على أوباما، بعد موقفه من الأحداث في سورية، وتراجعه عن الضربة العسكرية للنظام في اللحظة الأخيرة، بعد إجراء اتفاق بشأن تسليم الأسلحة الكيماوية، والتي أدت إلى خلافات مع دول حليفة لواشنطن، في مقدمتها المملكة العربية السعودية.

انتظر أوباما طويلاً، قبل أن يحدد خريطة الطريق التي أعلنها في خطابه، عشية الذكرى الثالثة عشرة، للهجوم الإرهابي على أميركا في 11 سبتمبر/أيلول 2001، وهو عمل على عدة خيوط داخلية وخارجية، من أجل التحضير للدخول في معركة المواجهة مع داعش. في الخط السياسي، أرسل وزير خارجيته، جون كيري، لتهيئة الأرضية من جانبين، الأول عراقي من خلال الحكومة الجديدة التي ترأسها حيدر العبادي، ونالت ثقة مجلس النواب، ومغادرة نوري المالكي الذي عاد بمنصب نائب الرئيس، وهي سمحت بمشاركة فعلية للسنة، بعد الشكوى من تهميشهم في فترة حكم المالكي.

الجانب الثاني هو العمل لتشكيل التحالف السني من تركيا، التي وافقت على الدخول في التحالف، وبدا ذلك بعد التظاهرة الدولية التي حصلت لدول الناتو في ويلز، ووصولا الى اجتماع جدة الذي أراد إيقاف الدعم المادي لداعش، بعد تقارير تحدثت عن دعم دول خليجية، وهو اجتماع ضم دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، إضافة إلى مصر والأردن ولبنان، بعد أن أخرجت سورية وإيران وروسيا من هذا التحالف، لأسباب مختلفة. روسيا بسبب الخلاف حول الأزمة الأوكرانية، وزيادة العقوبات عليها أوروبياً وأميركيا، حيث بدأت ملامح حرب باردة في الظهور من دون إعلان، أما إيران، وعلى الرغم من دورها وتأثيرها في كل من العراق وسورية، فإن جزءاً مما وصلت إليه الأمور، تحملها الولايات المتحدة لإيران، كما دول الخليج العربي وعلاقتها المتوترة معها. وفي الملف السوري، لا يستطيع الرئيس أوباما أن يتعاون مباشرة مع النظام، على الرغم من التواصل بالواسطة العراقية، بعد أن قال “إن بشار الأسد فقد شرعيته ولن تعود”، إضافة إلى محاولته عدم استفزاز السعودية، في وقت يحتاج فيه إلى الحلف السني في مواجهة داعش، وهو لذلك أكد، في خطابه، على تسليح المعارضة المعتدلة وتدريبها، وأعلنت السعودية استعدادها للتدريب على أراضيها.

أوباما الذي حضر الأجواء خارجياً من خلال هذا التحالف الواسع دوليا، أراد، أيضاً، الحصول على تأييد الرأي العام، على الرغم من شعبيته المتراجعة إلى أدنى مستوى لها، منذ دخوله البيت الأبيض، وهو المتهم بالحذر الشديد في تعاطيه بالسياسة الخارجية، وخصوصاً مع داعش، إلا أن الحملة التي حصلت، إعلامياً، من خلال الصور للأعمال الداعشية، ولا سيما بعد قطع رأس صحافيين أميركيين، وتهديدات داعش المتواصلة والعمليات الإجرامية التي قاموا بها، أدت إلى تغيير في الرأي العام، حيث قال الأميركيون إنهم يرون “الدولة الإسلامية” تهديداً جدياً للمصالح الأميركية. وأفاد استطلاع أجرته “واشنطن بوست” وقناة إي بي سي نيوز بأن 71% يدعمون ضربات عسكرية لداعش في العراق وسورية، وكانوا 54% قبل ثلاثة أسابيع، و45% في يونيو/حزيران. هذه الاستطلاعات التي أراحت أوباما استكملها، أيضاً، بلقاء قادة الكونغرس، من أجل دعمه في استراتيجيته الجديدة التي تحتاج تشريعات مالية في مجلس النواب، خصوصاً ما يتعلق بتدريب المعارضة السورية وتسليحها، فهو لا يحتاج دستورياً إلى موافقة مسبقة في عمليته.

التحضيرات اكتملت، وتحولت داعش إلى “القاعدة” بعد الحادي عشر من أيلول، وهو ما بدا واضحاً من كلام السفير الأميركي، ريان كروكر، الذي خدم في سورية والعراق وأفغانستان وباكستان، والذي يرى تهديد داعش أكبر من تهديد القاعدة، مشيراً إلى أن تمويلهم وعددهم أكبر، ولدى آلاف منهم جوازات سفر غربية، بما فيها أميركية، ولا يحتاجون تأشيرات، وقال “إذا اعتقدنا أننا لسنا على قائمة أهدافهم فنحن متوهمون”.

خارطة الطريق الأوبامية التي حافظت على الخط الأحمر، بعدم وجود جنود أميركيين على الأرض، وستستخدم في ضرباتها العسكرية القواعد في تركيا وقطر والبحرين والإمارات والكويت، إضافة إلى سفن حربية في الخليج، حددت المراحل والخطوات التي ستقوم بها، إلا أن تنفيذ هذه الخريطة في الواقع والقضاء على داعش، وليس فقط إضعافها سيحتاج، ربما، إلى ما بعد بعد أوباما.

السابق
طائرة لبنانية تهبط اضطرارياً في روما بعد انذار خاطىء
التالي
فيصل المقداد ل’المنار’: السعودية بلد تابع لاميركا