البناء: فشل كيري في خلط الأوراق بـ«داعشتان» حلفاء واشنطن منقسمون

كانت خطة وزير الخارجية الأميركي جون كيري تقوم على توظيف الخطر الذي يشكله تنظيم “داعش”، لتضخيمه والنفخ فيه وتقديمه كأولوية للأمن الدولي والأمن القومي الأميركي معاً، بما يبرّر من جهة الضغط على روسيا لاستصدار قرارات أممية تمنّعت عن قبولها في الماضي، ويعطي الفرصة وفقاً لحساباته لإيران لتنضمّ إلى تحالف مشترك مع أميركا يضمن لها الكثير من المصالح، ويمكن تغطيته بالتعاون في العراق الذي يمثل مساحة حيوية مشتركة لأمن ومصالح البلدين، من جهة مقابلة.
كان كيري يعتبر أنّ حلفاً لمقاتلة “داعش” تعلن تأسيسه واشنطن، سيضمّ حكماً كلّ حلفائها السابقين، وسيضمّ إيران، يشكل التغيير الجيوسياسي الأبرز للقرن الواحد والعشرين، وسيشكل تعديلاً في موازين القوى الدولية والإقليمية يسمح بتشكيل المشهد السوري بالشراكة لاحقاً بين طهران وواشنطن، من وراء ظهر موسكو، وربما على حساب الرئيس السوري بشار الأسد، وفقاً لقراءة أوباما لتجربة التعاون مع إيران في حالة تغيير رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي.
بدأت المفاجآت تتساقط في طريق كيري، ويكتشف الفارق بين الأحلام والواقع، ويعترف بنتائج سوء تقدير الحلفاء والخصوم، فسرعان ما تساقطت من بين الحلفاء الكبار كلّ من تركيا وبريطانيا، وتبعتهما قطر التي كانت مدير الحملة الأميركية على سورية لسنتين ماضيتين، وبقيت فرنسا والسعودية وحيدتين، وجاءت المفاجأة التالية بموقف سوري حازم يرفض التساهل والتهاون مع أيّ مساس بسيادة الدولة وأجوائها، من دون أن يشكل الابتزاز بعنوان الحرب على “داعش” أيّ رادع لها، ليفترض كيري أنّ الموقف السوري سيبقى كلامياً طالما الرهان على إحراج روسيا بصورة تشبه ما جرى بعنوان السلاح الكيماوي، والحديث عن ذهاب أميركا إلى الحرب، حتى تفاهمت روسيا وسورية على المخرج بتسليم السلاح الكيماوي للأمم المتحدة، وانضمّت سورية إلى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، وبوليصة التأمين الكبرى التي افترض كيري أنها ستغير كل شيء، هي ما حسبه من نضج ظروف دخول إيران في الحلف الذي ستقوده واشنطن وسيكون العراق مسرح عمله الرئيسي.
ثبتت سورية، وكان ردّ موسكو أنّ تجاوز إرادة الدولة الوطنية خارج القانون الدولي وبلا قرار من مجلس الأمن الدولي هو الإرهاب بعينه ولا يمكن مكافحة الإرهاب بالإرهاب، وأوضحت موسكو لواشنطن أنّ السلاح الكيماوي مخالف للقانون الدولي، لذلك كانت سورية تسعى وكانت روسيا تشجعها لإيجاد مناسبة للتخلص من هذا السلاح، مقابل ضمانات امتلاكها ما يكفي لردع أيّ عدوان، وملاحقة السلاح النووي “الإسرائيلي”، وقد حصلت دمشق من موسكو على هذين الالتزامين.
في الحال الراهنة الأمور معكوسة، فالقانون الدولي يتعرّض لخطر خرقه على حساب سورية من أميركا، وروسيا بموقف حازم مع دمشق وقد زوّدتها بما يكفي من سلاح لردع أيّ عدوان، وستقوم بتزويدها بكلّ المعلومات اللازمة في حينه، كما ستقوم بتغطية موقفها في المحافل الدولية، والمفاجأة الأكبر كانت طبعاً الموقف الإيراني الذي قطع الشك باليقين برفض المشاركة في اجتماع باريس الاثنين، بعدما اعتقد كيري أنّ إيران ستقيم الأعراس لتلقي الدعوة للمشاركة، وإذ بطهران تشترط دعوة سورية لتقبل هي الدعوة.
ليكتمل حظ كيري العاثر، جاءت المعلومات منتصف الليل تتحدث عن نية روسية إيرانية بتشكيل حلف ضدّ “داعش”، مواز لحلف كيري يضمّ الدولة السورية ويتشارك مع حلف كيري بدعوة الحكومتين العراقية واللبنانية إلى المشاركة، انطلاقاً من أنّ واشنطن مُنحت الفرصة للتصرف بطريقة متوازنة وفعالة لتشكيل حلف، يحقق هدف تجميع الجهود للحرب على الإرهاب، لكنها فشلت بسبب منطقها الكيدي ومعادلتها الفئوية، وفي هذه الحالة ستتولى الحكومة العراقية التنسيق بين الحلفين.
وفيما وصل المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم إلى قطر أمس، يتوجه إليها رئيس الحكومة تمام سلام غداً على رأس وفد وزاري وإداري وإعلامي، حيث يجتمع مع أمير قطر تميم بن حمد ونظيره الشيخ عبدالله بن ناصر، للبحث في قضية العسكريين المختطفين على يد تنظيم داعش وجبهة النصرة.
وأكدت مصادر مطلعة لـ”البناء” أن قطر توحي أنها جادة في التفاوض لحل قضية العسكريين، إلا أن لا شيء ملموساً على هذا الصعيد حتى الآن، لافتة إلى أن الحكومة تستثمر الإيحاءات القطرية لتوحي بدورها أن الأمور قيد الحل، على رغم أن لا بوادر ايجابية توحي ذلك.
وفي السياق، أعربت مصادر في “هيئة العلماء المسلمين” عن تشاؤمها بالمفاوضات في شأن إطلاق العسكريين. وأكدت لـ”البناء” أنه إذا لم يتمكن القطريون من إقناع المسلحين بالإفراج عن العسكريين مقابل المال، لا سيما أن الحكومة اللبنانية لن توافق على إطلاق سراح محكومي سجن رومية، فإن مصير العسكريين في خطر. وأشارت المصادر إلى أن الحكومة اللبنانية هي التي طلبت من مصطفى الحجيري أبو طاقية أن يسحب يده من الملف، الذي بات في عهدة اللواء إبراهيم.

السابق
الجمهورية: «التيار الحر» يُعطِّل «هيئة الإشراف»
التالي
شادي المولوي: نتمنى ذبح الجنود الشيعة من الجيش اللبناني