السيّد هاني: صورة جميلة.. عن رجال الدين القبيحين

هاني فحص
قبل السيد هاني فحص كنت أكره رجال الدين. لكنّه أعطاني صورة جميلة عن الدين. فاليساريون والملحدون واللادينيون والمتديّنون الذين لا يحبّون رجال الدين ويكذّبونهم، يجعلهم السيّد هاني يعيدون النظر، إذ يقوم بمهمة رجل الدين الحقيقي، وهو أن يقرّب إلى الله كلّ عارفيه، ويعطيهم صورة جميلة عن "ربّ عمله".

لطالما كنتُ أكره رجال الدين. مسلما كان أو مسيحيا أو يهوديا، شيخا أو راهبا أو حاخاما أو بوذيا أو أيا كان. وما نعيشه من دم يومي كان وما يزال يؤكّد مشاعري هذه، المبنية على التجربة والقراءة والتاريخ.

لطالما كرهتُ رجال الدين، لأنّ كلّ حرفيّ أو عامل أو بائع يبيع شيئا، حتّى السياسي يبيع الأحلام، إلا رجال الدين، فهم يبيعون ويشترون الغيب، و”يتاجرون” بالله، إذا صحّ التعبير.

منذ بداية وعيي كان أبي يشتري جريدة السفير يوميا، وجريدتي المستقبل والنهار يوم الأحد، ليقرأ “نوافذ” المستقبل و”ملحق” النهار الثقافي. وكنت أعثر في هذه الجرائد الثلاثة مقالات للسيّد هاني فحص. وصرت أعرف أنّه شيخ، أي رجل دين، وأستغرب.

صار يستفزّني، ليس بكتاباته المشاكسة التي كنت ألتقي معها، في نقدها الهادىء، وتفكيرها، وأسلوبها الأدبيّ الذي لا يشبه كلام رجال الدين السطحيّ غالبا، والتهديديّ والتخويفيّ.

أخذ يستفزّني بيني وبين نفسي. يدفعني، غصبا عني، إلى إعادة النظر بكراهية رجال الدين. ويجبرني على الاعتراف بأنّ التعميم ليس في صالحي، وليس صالحا أصلا.

كثيرون يعتبرون السيّد هاني فحص “أقلّ إيمانًا” من غيره. خصوصا جمهور “حزب الله” الذي يعتبر أنّ كلّ من ليس مع الحزب ويبصم على قراراته وأفعاله، لا يكون “وطنيا”، وإذا كان من الطائفة الشيعية فيعتبرون شيعيته ناقصة، فكيف إذا كان شيخا شيعيا، فتلك أكبر مصائب هذا الجمهور، ومصائب قيادته..

لا يتعب حزب الله أن يعارضة سنّة ومسيحيون ودروز، ولا يتعبه أن يحارب إسرائيل وأميركا وأوروبا.. يتعبه أكثر أن يكون شيخا شيعيا في موقع الخصومة أو الخلاف أو الاختلاف معه.

وهذا ينبع من، ويصبّ في، أنّ مثل هذا الاختلاف يضفي شرعية على المختلفين مع حزب الله، الشيعي الديني. ولاحقا صرت أدرك أنّ السيّد هاني يؤلم، بخصومته، حزب الله، أكثر مما يفعل أيّ يساريّ أو ملحد أو علماني أو لاديني أو شيوعيّ…

لكن على خلاف ما يعتقد مناصرو “حزب الله”، فإنّ السيّد هاني كان، وما يزال، يعطي صورة جميلة عن الدين. فاليساريون والملحدون واللادينيون والمتديّنون الذين لا يحبّون رجال الدين ويكذّبونهم ويعتقدون أنّهم، كلّهم، تجّار وهم ودين، يجعلهم السيّد هاني يعيدون النظر. وبذلك فهو، وإن كان يغضب مناصري “حزب الله”، إلا أنّه يقوم بمهمة رجل الدين الحقيقي، وهو أن يقرّب إلى الله كلّ عارفيه، ويعطيهم صورة جميلة عن “ربّ عمله”.

هكذا جعلني السيّد هاني أتوقّف عن كراهية رجال الدين، وأتنازل عن موقفي الذي كان نهائيا منهم.. جعلني أحبّه وأعطي فرصة لرجال الدين، إلى أن يثبتوا العكس، وغالبا ما يثبت، معظمهم، العكس.

السابق
جدة: استراتيجية لـ’خنق الإرهاب و داعش’ وصولا للعمل العسكري
التالي
خالد الضاهر في أعنف هجوم على الجيش: مخابرات الجيش تعبث بأمننا