اسمه فحسب..

يمانع السيد هاني فحص إلا أن يكون باسمه المجرد غير مزيد وغير مضاف، يأبى إلا أن يكون بنفسه وباسمه. ذلك بدون شك فعل حداثة، انه انتحاء إلى الفردية وخروج من السلك والنسب والمقام. كان دائماً هو هو وقدم نفسه على هذا الأساس وليس هذا عن اعتداد ولا عن اكتفاء بالذات. مثل السيد هاني فحص في تواضعه وفي أنفته وفي تأبيه على الترهات، يعرف أن سبيلنا في هذا العالم أضيق من أن نشمخ به أو نعتد. في تواضع السيد ما يفيض عن التواضع، إنه السماحة التي لا تدخل عليها نعرات شخصية ولا تنتصـب فيـها أنا مريضـة ولا تحـيط بهـا نرجسـية كامنة أو ظاهرة.

الأرجح أن ما أخرج السيد من عبادة السلك والنسب أخرجه أيضاً من عبادة الأنا وأخرجه من الدوران حول الذات، بل وأخرجه مما تقتضيه عبادة المقام من جدّ زمّيت صارم، ومن تقطيب مصطنع وطبع مستوفز. من ذلك يصدر فرح السيد ومن ذلك يصدر مرحه ومن ذلك تصدر سخريته. إنه احتفاء بالعالم واحتفاء بالوجود واحتفاء بالكون. لكأن في ابتسامة السيد وفي مرحه هذه الصلة الرحمية بالكون، لكأن فيها نخلاً للأشياء يفرز الجوهري من القشري ويفرز المعنى من اللامعنى ويفرز الأصيل من المصنوع. ذلك الفرح هو أيضاً وعي الكائن لهشاشة الوجود وسقم المواضعات والطقوس الاجتماعية وبؤس التراتبيات وندرة الأصيل والحق.
السيد يهل علينا نسمة حبور ناعمة، والسيد يهب علينا نسمة صداقة، والسيد يهب علينا نسمة تبصّر وذكاء. والسيد يهب علينا بعلم غير متحجر ولا متخشب، بعلم حر طليق فيه من النسمة لينها وخفاؤها وطلاوتها، لكن السيد أولاً وأخيراً ابن ثقافة وابن جيل وابن تاريخ وابن مخاض متعدد الأطوار والحلقات، ولم تعقه العمامة عن أن يكون دائماً وأبداً في مهب هذا التاريخ وفي مهب هذا الجيل، لم تعقه العمامة عن أن يكون فينا ومنا وإزاءنا وحولنا، ولم تعقنا عن أن نجد فيه شهادة على جيل وشهادة على تاريخ.
أراد السيد أن يكون باسمه المجرد فحسب أراد أن يكون ابن زمنه وابن مكانه وابن ظرفه وابن ثقافته. هذه أمور ليس لها أزياء مقامات ولا مقادير ولا عيارات، لذا يبالي السيد ولا يبالي، يبالي بما يعتقده حقيقياً ولا يبالي بما يراه رسماً وشعاراً فحسب، يبالي بأمور ولا يبالي بأمور يظنها الناس لصيقة بمنصبه ومقامه، بعض هذه أهون عليه من قلامة ظفر. لقد اجتهد لكي لا يغتر بالمظاهر، اجتهد لكي لا تغويه الرسوم والمواضعات فكان السيد بعمامته ومقامه مثقفاً مستقلاً نقدياً ومن الهامش أحيانا كثيرة، مثقفاً بحيرة المثقف وتنازعه الداخلي وقلقه وهزئه من العالم والتحامه به في آن معاً.
السيد هاني اليوم في محنة، أطباؤه أدرى بها مني، وهذه التحية تطمع مع غيرها في أن تكون برداً وسلاماً على قلبه وأن ينعش الحب رجلاً كالسيد يعرف جيداً ما هو الحب.

السابق
اشتاقتك المنابر يا سيد!
التالي
رجل على الحافة