أصلّي لشفائه

روجيه عساف

رن هاتفي النقال قبيل الساعة الواحدة بعد الظهر.. صديقك عباس بيضون على الخط. السيد هاني فحص في حالة صحية صعبة، أنتظر منك مقالة قبل الساعة السادسة من هذا المساء. ولكني الآن استقبل ضيوفاً أجبت، ومن الصعب أيفاء السيد حقه في مثل هذه العجالة. غداً تصدر السفير صفحة ثقافية عن السيد، يجيب الصديق الشاعر وأنا أعرف عمق المودة التي تجمعكم به والمطلوب ليس دراسة معمقة.
نزل عليّ الخبر كالصاعقة. فأنا ما سمعت السيد هاني خطيباً أو محاضراً، وما قرأت له مقالة أو دراسة إلا وازداد تعلقي به وإعجابي بفكره المتنور، ووطنيته الصافية، وبلاغته اللغوية التي قلّ نظيرها. عندما كنت ألتقيه في المناسبات الثقافية، كنت أقبِّل عمامته السوداء وأقول له: كم نحن بحاجة إلى مثل هذه العمامة العلمانية التي تعرف كيف تجمع بين المسيحية والإسلام وبين اللبنانية والعروبة، وبين الأصالة والتراث والحداثة. هذه العمامة التي لا تزال صورتها راسخة في ذاكرتي مع عمال التبغ قبل حروب السبعينيات، ومع القضايا الوطنية الكبرى في مواجهة أخطار العدوان الصهيوني على الجنوب.
كان السيد قامة ثقافية شجاعة لا تخشى في قول كلمة الحق لومة لائم. وقف صامداً في وجه رياح الفتنة ضمن أبناء الدين الواحد وضمن أبناء الوطن الواحد. عرف جوهر القضية اللبنانية ولم يتوانَ عن نقد الخارجين عن أسس الميثاق الوطني الذي قامت عليه الدولة اللبنانية. كان ذاكرة تاريخية غنية يعرف جيداً تاريخ جبل عامل في يوميات بسطائه وفي نوادر رجال دينه وفي مآثر ومثالب أعيانه، وفي ثقافة أدبائه ومثقفيه.
عندما كرمناه في الحركة الثقافية انطلياس ضمن المهرجان اللبناني للكتاب، كواحد من أعلام الثقافة في لبنان والعالم العربي، ألقى كلمة يمكن أن تشـكل دلـيل عمل للفكر الديني المتكـيف مع تحديـات العصر.
في زمن «هجوم الفكر الداعشي» على كل مقومات حضارتنا في هذا المشرق العربي، وفي زمن انفلات غرائز المشاريع التعصبية من (الدواعش) المتلبسة في صيغ وأشكال وشعارات مختلفة، وفي زمن انقضاض المصالح الدولية والإقليمية لإعادة ترتيب مناطق النفوذ على أنقاض مصالح شعوبنا واستقلال دولنا العربية وحقوق إنساننا، كم نحن بحاجة إلى استمرار قلمك ومواقفك الجريئة في هذه الأيام الصعبة لتكون دليلاً لمواجهة تحديات المستقبل.
أيها الصديق السيد إني أصلي من أجل شفائك.

السابق
إسم علم.. من مثله؟
التالي
مولايَ هاني فحص