هذه رواية اغتيال قادة ’أحرار الشام’

تلقت المعارضة السورية العسكرية صفعة مؤلمة باغتيال أكثر من 50 قيادياً من “حركة أحرار الشام الاسلامية” مرة واحدة، على رأسهم قائد الحركة حسان عبود الملقب بـ”ابو عبد الله الحموي”، خلال اجتماع سري لمجلس شورى الحركة في أحد أهم مقراتها في ريف ادلب، في ظروف طبعها الغموض.

مواد كيميائية

وحتى لا يتصدع الفصيل الاسلامي والجهادي الاقدم في المعارضة والذي يضم أكثر من 75 الف مقاتل، سارعت الحركة إلى تعيين هاشم الشيخي أبو جابر أميراً وقائداً عاماً لها خلفاً للحموي، و”أبو صالح طحان” قائداً عسكرياً. وفيما بقيت هوية الفاعل مجهولة، حُسم أن مواداً كيميائية استخدمت في الهجوم على اجتماع الحركة في مكان سري لا يعرفه سوى القادة الميدانيين، إذ أعلن المتحدث باسم “الجبهة الإسلامية” أنس أبو بِشر، أن مواداً كيميائية استخدمت في الهجوم الذي استهدف الاجتماع. وأوضح أن “المقر الموجود في قرية رام حمدان بقي سرياً حتى الآن، وكان اجتماعاً يضم كبار القادة الميدانيين فقط ولا يعرف مكانه سواهم، ومن نفذ الهجوم على مكان اجتماع سري بهذ المستوى، أشخاص معروفة أهدافهم”.

وأطلّ امير الحركة الجديد أبو جابر في فيديو نشر عبر حساب “الجبهة الاسلامية” على “يوتيوب”، لشد عصب أنصار الحركة، داعياً اياهم الى “ألا تزعزهم المحنة والا تفرقكم المصيبة، فنحن لم نخرج من أجل الرجال بل من اجل ربهم… وان مضى منا رجل فخلفه رجال”.

البداية من ريف ادلب

وفي ضوء ما حصل، قدم مراسل “شبكة سوريا مباشر” في ادلب عبد الله جدعان لـ”النهار” جملة من المعطيات عن الحركة ونشأتها، فضلاً عن تأثير مقتل قيادييها:

“تشكلت حركة احرار الشام الاسلامية منذ نحو سنتين ونصف، بعد تشكيل “الجيش السوري الحر”، وانضمت في ما بعد الى الجبهة الاسلامية. وتعتبر الحركة من أكبر الفصائل المعارضة في سوريا، وانطلقت من ريف ادلب لتتوسع بعدها إلى حلب ودمشق والقنيطرة ودير الزور والرقة وباتت تضم اكثر من 75 الف مقاتل”.

اختلافها عن “النصرة” و”داعش”

رغم انها تعتبر فصيلاً اسلامياً متشدداً إلا انها تختلف كثيراً عن “جبهة النصرة” و”الدولة الاسلامية”، فقائدها ومؤسسها الحموي الذي كان مسجوناً في سجن صيدنايا لدى النظام السوري وافرج عنه مع بداية الثورة، معروف أنه منفتح على الاعلام وغير متشدد في تعامله مع الناس ويرفض قيام الحدود عليهم كما تفعل “النصرة” و”داعش”، وفي رأيه ان سوريا في حالة حرب وان الوقت غير مناسب لمحاسبة الناس على افعالهم. وتهدف الحركة إلى بناء دولة اسلامية برئيس مسلم، يسود فيها الحكم الشرعي، وليس امارة أو خلافة، كما انها تختلف عن “داعش” بأن الاخيرة كانت تسيطر على المناطق المحررة لبسط نفوذها بينما “احرار الشام” كان همها الاول مقاتلة النظام اسوري واسقاطه، فضلاً عن الاختلاف في المنهج والعقيدة، أما مع “النصرة” فعلاقتها جيّدة وتتشابه معها في كثير من الامور إلا أن الاختلاف يكمن بان “النصرة” أحد فروع “القاعدة” وان “احرار الشام” لا تبحث عن خلافة أو امارة.

علاقة “احرار الشام”

توصف علاقة الحركة مع كل الفصائل بـ”الممتازة”، عدا مع “داعش” التي كانت تتهم الحركة بانها تقاتلها، علماً أن كثيرين من عناصرها رفضوا مقاتلة “داعش”، وقامت الاخيرة بعمليات تفجير عدة استهدفت مواقع “احرار الشام”، وتعتبر “الدولة” أن عناصر “احرار الشام” مرتدون وكفرة.

في الفترة الاخيرة، توطدت علاقة “احرار الشام” مع “الجيش الحر”، خصوصاً بعد انضمامها منذ شهر إلى مبادرة “واعتصموا” التي تضم اكثر من 25 فصيلاً من اكبر فصائل المعارضة في سوريا، بعدما كانت الوحيدة من “الجبهة الاسلامية” التي رفضت في البداية الانضمام إلى المبادرة للاتحاد مع “جبهة ثوار سوريا” التي تضم فصائل “الجيش الحر”.

غموض وروايات

روايات عدّة تداول بها الناشطون السوريون بعد التفجير، وحُسم منها استخدام الكيميائي في الهجوم، وبحسب جدعان فإن الهجوم استهدف الاجتماع السري لأكثر من 50 قيادياً، في مقر احد قياديي “احرار الشام” أبو ايمن رام حمدان، المعروف بحراسته الامنية المشددة وطبيعة المقر الذي هو عبارة عن مغارة او كهف تحت الارض.

مقر فولاذي أمنياً

وأوضح الناشط السوري في وكالة “سوريا برس” ماهر حمدان لـ”النهار” عن طبيعة المكان الذي حصل فيه التفجير قائلاً: “يدعى المقر “صفر” وهو مقر للواء بدر التابع لـ”أحرار الشام”، يقوده “أبو أيمن رام” المعروف بأمنياته العالية، اذ أنشأ المقر بعيداً عن مناطق السكن تحت الأرض، وهو عبارة عن بناء بعيد عن أي شارع رئيسي ومطمور بالتراب، له مدخل رئيسي ويمكن النزول إلى باحته الترابية التي يطل عليها مدخل المقر عن طريق ترابي، يبعد عن مدخل المقر قرابة 75 مترا، وأمام المدخل هناك شبه حفرة كبيرة، هي الساحة التي يشرف عليها المقر، ويمكن ركن السيارة فيها. و في هذا المكان التقطت الصورة المنتشرة لسيارة قيل أنها لأبي عبد الله الحموي”.

عبوة كيميائية واختراق

أما عن الروايات في شأن الحادث وأسبابه، فيقول الناشط عبدالله جدعان: “هناك رواية تتحدث عن انفجار سيارة مفخخة، وأخرى عن دخول انتحاري، إلا ان الروايتين مستحيلتان بسبب الحراسة المشددة في محيط المقر، إذ من المستحيل اختراق المقر بأي جسم غريب، كما هناك من قال ان التفجير وقع في مستودع ذخيرة قرب المقر، فجرح القريب منه اما البعيد فمات اختناقاً جراء الدخان ومنهم من كان داخل المقر، إلا أن الرواية الأقرب إلى المنطق والتي اتفق عليها كثيرون ان التفجير ناتج عن عبوة ناسفة زرعت في الداخل، بسبب الاختراق الكبير في صفوف حركة “احرار الشام”، وبناء على مشاهدات أظهرت اخراج الجثث سليمة من دون ظهور دماء او جروح مع بعض الاستثناءات وبعد افادة طبيب الحركة، تأكد ان القادة قتلوا نتيجة استنشاقهم غازات سامة، ما يؤكد ان العبوة كانت تحوي على مواد كيميائية”. وأضاف: “أحد مرافقي أبو ايمن قال ان الامر ناتج عن انفجار مستودع ذخيرة بجانب المقر، وله ثلاثة اقفال موزعة مفاتيحه على 3 اشخاص، كانوا بين المشاركين في الاجتماع وقتلوا ايضاً، والانفجار الهائل تسبب بانتشارغازات سامة اجتاحت المقر وقتلت من فيه”.

وأدى التفجير إلى مقتل 50 قيادياً أبرزهم “الحموي وأبو يزن الشامي (محمد الشامي، عضو مجلس شورى الجبهة الإسلامية)، أبو طلحة الغاب، أبو عبد الملك (الشرعي العام)، أبو أيمن الحموي، أبو أيمن رام حمدان (مسؤول مكتب التخطيط العسكري للحركة)، أبو سارية الشامي، محب الدين الشامي، أبو يوسف بنش، طلال الأحمد تمام، أبو الزبير الحموي (أمير قطاع حماه)، أبو حمزة الرقة، وآخرين”، وفق بيان الحركة.

النظام السوري يتبنى

من الفاعل؟ هو السؤال الذي يدور في اذهان الجميع من دون وجود اي اجابة أكيدة او رسمية. وخلال تواصل جدعان مع احد عناصر “أحرار الشام”، نقل له أن النظام السوري تبنى العملية، ويقول جدعان: “ربما اقدم النظام على تبنيها من اجل ابعاد الشكوك عن اعوانه في المناطق المحررة، خصوصاً انه بات معروفاً ان النظام وعند كل تفجير يضرب المعارضة يقوم بتبنيه، وبالتالي من الممكن ان يكون الامر نتيجة اختراق احد عناصر الحركة الموجودين في هذه المنطقة، ويمكن ايضاً ان يكون النظام قد فعلها، خصوصاً أن الحركة لم تصدر أي بيان تتهم فيه اي جهة، لأن العملية في شكل عام غامضة ومجهولة الهوية”.

كيف فعلتها “داعش”؟

أصابع اتهام “الجبهة الاسلامية” تتجه نحو “داعش”، خصوصاً ان غالبية المغردين “الداعشيين” عبروا عن شماتتهم وفرحهم بما حصل، وعضو المكتب الاعلامي للجبهة حسين ناصر أكد لـ”النهار” أن “داعش هي الجهة التي نفذت العملية لأنها المستفيد الوحيد منها، كما انها خدمت النظام بهذا التصرف”، ويضيف: “احرار الشام كانت الاقرب إلى “داعش” فكرياً، لكن عناصر الحركة قاتلوا “داعش” بعدما فعلته الاخيرة من تجاوزات، اذ كان قادة احرار الشام يتلقون تهديدات مباشرة من “داعش”.

ولدى ناصر رواية أخرى عن اسلوب التفجير وهو “عبر ركن سيارة مفخخة قرب ورشة لتصنيع السلاح، والتي بدورها تحتوي على كميات كبيرة من “تي ان تي”، واحتراق كميات كبيرة من هذه المادة أنتج غازات سامة دخلت إلى مكان الاجتماع الذي كان في غرفتين تحت الارض وليس لهما اي فتحات تهوية، سوى باب الدخول الذي يقع داخل مبنى تصنيع القذائف، ما ادى الى اختناق الجميع”.

ويستبعد ناصر قيام النظام بهذه العملية قائلاً: “لم يستطع النظام منذ اربعة سنوات القيام بمثل هذا العمل عن طريق سلاح الجو فكيف له ان يفعلها الآن برياً؟ كما ان الوضع الامني في موقع “احرار الشام” كان محصناً جداً، ولا احد يستطيع فعل هذا العمل سوى داعش التي يسهل عليها اختراق الفصائل الاسلامية بسهولة”.

السابق
البيت الابيض سيعقد قمة حول التطرف في تشرين الاول
التالي
بالصور.. قيادية سياسية تونسية تحرق القرآن الكريم بسيجارتها